وهذا بخلاف باب المنشئات ، فإنها أمور
اعتبارية ، ويكون زمامها بيد المعتبر النافذ اعتباره ، وله ايجادها على أي وجه
أراد. فالذي بيده زمام الملكية ، له ان يوجد الملكية في الحال ، وله ان يوجدها في
المستقبل كما في الوصية ، فلو أنشأ الملكية في المستقبل بمعنى انه جعل ملكية هذا
الشيء لزيد في الغد فلا بد من أن توجد الملكية في الغد ، والا يلزم تخلف المنشأ عن
الانشاء.
وكذا الحال في الأحكام الشرعية ، فان
زمام الاحكام بيد الشارع ، فله جعلها وانشائها على أي وجه أراد ، فلو جعل الحكم
على موضوع ليس له وجود في زمان الجعل بل يوجد بعد الف سنة ، فلابد ان يوجد الحكم
عند وجود موضوعه ولا يمكن ان يتخلف عنه. والسر في ذلك : هو انه الآن يلاحظ ذلك
الزمان المستقبل ويجعل الحكم في ذلك الزمان ، حيث إن اجزاء الزمان بهذا اللحاظ
تكون عرضية كاجزاء المكان ، فكما انه يمكن وضع الحجر في المكان البعيد عن الواضع
إذا أمكنه ذلك لطول يده ، كذلك يمكن وضع الشيء في الزمان البعيد لمن كان محيطا
بالزمان.
فظهر معنى كون انشاءات الاحكام أزلية ، وان
تحقق المنشأ يكون بتحقق الموضوع ولا يلزم منه تخلف المنشأ عن الانشاء ، وانما
التخلف يحصل فيما إذا وجد غير ما أنشأه ، اما لمكان الاختلاف في الكيف ، واما
لمكان الاختلاف في الزمان ، أو غير ذلك من سائر أنحاء الاختلافات. فتأمل في المقام
جيدا ، لئلا ترسخ الشبهة المتقدمة في ذهنك.
فظهر الفرق ، بين القضية الخارجية
والقضية الحقيقية ، بعدم تخلف زمان الفعلية عن الانشاء في الخارجية نظير الهبة ، وتخلفه
في الحقيقية نظير الوصية. فهذه هي الجهة الثانية التي تمتاز إحديهما عن الأخرى.
الجهة الثالثة :
ان السببية المتنازع فيها من حيث كونها
مجعولة أو غير مجعولة وان المجعول الشرعي هل هو نفس المسببات عند وجود أسبابها أو
سببية السبب ، انما يجرى في القضايا الحقيقية ، دون القضايا الخارجية ، لوضوح ان
القضايا الخارجية ليس لها موضوع اخذ مفروض الوجود حتى يتنازع في أن المجعول ما هو ،
بل ليس فيها الا