فنقول : اما تحرير أصالة التعبدية ، بمعنى
اعتبار المباشرة وعدم سقوطه بالاستنابة وفعل الغير ، فيتوقف على بيان كيفية نحو
تعلق التكليف فيما ثبت جواز الاستنابة فيه وسقوطه بفعل الغير تبرعا ، بعد ما كان
هناك ملازمة بين جواز الاستنابة وجواز التبرع ، فان كلما يدخله الاستنابة [١] يدخله التبرع كذا العكس.
وليعلم : ان التكليف لا يسقط بمجرد
الاستنابة فيما ثبت جواز الاستنابة فيه ، بل انما يسقط بفعل النائب ، لا بنفس
الاستنابة ، فيقع الاشكال ح في كيفية تعلق التكليف على هذا النحو ، وانه من أي سنخ
من الأقسام المتصورة في التكاليف؟ من حيث الاطلاق والاشتراط والتعيينية والتخييرية
وغير ذلك من الأقسام.
فنقول
: اما تعلق التكليف بالنسبة إلى المادة ، أي
الفعل المطالب به ، فيكون على وجه التعيين ، بمعنى انه لا يقوم شيء مقامه ، كما
يقوم العتق مقام الصيام والصيام مقام الاطعام في خصال الكفارة. واما من حيث جهة
الصدور عن الفاعل فلا يعتبر فيه التعيينية ، بمعنى انه لا يعتبر فيه مباشرة
المأمور بنفسه ، واصدار المكلف بعينه ، بل للمكلف الاستنابة فيه واستيجار الغير
له.
وبذلك يمتاز عن الواجب الكفائي ، فان
الوجوب فيه بالنسبة إلى المادة وان كان على وجه التعيين ، ولا يعتبر مباشرة شخص
خاص فيه ، الا ان الوجوب فيه متوجه إلى عامة المكلفين ، بحيث ان كل من اتى به فقد
اتى بما هو واجب عليه نفسه ، لا انه يأتي به نيابة عن الغير. وهذا بخلاف المقام ، فان
الآتي بالعمل ، سواء كان على وجه الاستنابة ، أو على وجه التبرع ، انما يأتي به عن
الغير ، ويقصد تفريغ ذمة الغير ، بحث لو لم يأت به على هذا الوجه لكان الواجب بعد
باقيا في ذمة الغير ولا يسقط عنه ، كما في القضاء عن الميت ، وأداء الدين ، وأمثال
ذلك من الواجبات
[١] الا في بعض فروع
الجهاد ، حيث يجوز الاستنابة فيه ويقع الفعل عن المنوب عنه ويترتب عليه قسمة
الغنيمة ولا يدخله التبرع بل يقع الفعل عن المتبرع ، الا ان يتأمل في ذلك أيضا ، فتأمل
وراجع أدلة الباب ـ منه.