responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 262

يكون عليه دليلا كما هو صريح الأشعري فالنقض بحاله كما لا يخفى بعد التأمل و إن كان أمرا حادثا بحدوث اللّفظ حدوث المعلول عن العلّة فهذا و إن كان ممّا يندفع به النقض المذكور حسبما بيّناه لكن لنا أن نقول بمثل ذلك من غير أن نلتزم إلى الإنشاء النّفسي بأن نجعل مدلول الأمر ما يحدث به و يتحقق بسببه من العنوان الثانوي على الوجه الّذي فصّلنا الكلام فيه آنفا فليتدبّر

و ينبغي التّنبيه على أمور هي ثمرات المسألة

الأوّل‌

أنّه يظهر من التأمّل فيما مرّ حال تعريف البيع و سائر العقود الّذي اختلف فيه اختلافا شديدا إلى أقوال متكثرة فقيل إنّه عبارة عن الإيجاب و القبول و قيل إنّه نقل المال بعوض و قيل إنّه المبادلة و قيل إنّه التمليك و قيل إنّه الانتقال كما لا يخفى على من راجع ذلك الباب و ذلك لأنّ الإنشاءات كلّها على نسق واحد فإنّا إذا أبطلنا النّسبة الإنشائية في الأمر و قلنا إنّها ممّا لا يعقل تصوّرها فيه فلا فرق بين الأمر و سائر الإنشاءات في ذلك بل و يتأتّى هنا جميع ما ذكرناه هناك حرفا بحرف فإن قلنا إنّ مدلول صيغة الأمر ليس إلا الإرادة و إنّ الطلب و الإلزام و التكليف كلّها عناوين ثانوية طارئة على اللّفظ الكاشف عن الإرادة (فنقول) في البيع أيضا إن الصّيغة دالة على الرضاء و طيب النفس بالمبادلة و إن النقل و التمليك و نحوهما إنما هي عناوين ثانوية طارئة على الصّيغة الدالّة على الرّضاء و إن قلنا إن صيغة الأمر حقيقة لذلك العناوين بأنفسها فنقول هنا أيضا إن صيغة البيع حقيقة في نفس التمليك أو النقل و كذلك القائلون بالنّسبة الإنشائية في الأمر لهم تعريف البيع بإنشاء النقل النفساني و بعد ما عرفت بطلان القول بالكلام النّفسي تعرف فساد تعريف البيع بأنّه نقل مال بعوض و مبادلة مال بمال أو نحو ذلك إلاّ أن يريد به ذلك العنوان الثانوي الّذي أبديناه دون إنشائه في الضّمير و إعلامه بالصّيغة كما هو ظاهر عبائرهم في التعاريف كما تعرف صحّة تعريفه بالإيجاب و القبول الدّالين كما في الشرائع و غيره نظير تعريف الأمر بالقول الدّال على الطّلب‌

و الثّاني‌

اتفق الأصحاب على جواز الكذب حال الاضطرار ثم اختلفوا في وجوب التورية لو تمكن منه فالمشهور بينهم الوجوب فرارا عن الكذب معلّلا بأن الكذب لا يسوغ إلا في مقام الضّرورة لأنّ الضّرورات تبيح المحظورات و مع المتمكن من التورية لم يضطر إلى الكذب فالاضطرار بالكذب لا بتحقق إلا مع عدم تمكنه من التورية و ذلك لبنائهم على أن التورية صدق هذا مبني على القول بالكلام النّفسي و على أن يكون الاستعمال هو ذكر اللّفظ و إرادة المعنى فإنه حينئذ يكون معنى الخبري للتورية هو النّسبة الحكمية الصّادقة القائمة بذات المتكلّم الّتي أرادها في نفسه و عليه فيكون التّورية صدقا لأنّ ذلك المعنى موافق للواقع و المخالف له هو الّذي استفاده المخاطب من اللّفظ و ليس هو مرادا من اللّفظ حتى يكون هو مسائل الصّدق و الكذب في المطابقة و عدمها هذا و أنت بعد ما عرفت من بطلان القول بالكلام النفسي و أن الاستعمال هو ذكر اللّفظ لتفهيم المعنى تعرف فساد مقالتهم و ذلك لأن التورية على ما صرّحوا به هو ذكر اللّفظ و إرادة خلاف ظاهره بلا نصب قرينة و بعد انحصار الكلام في اللّفظي يكون المقسم إلى الكذب و الصّدق هو اللّفظ بملاحظة ما يستفاد من ظاهره لأنّه المعنى المستعمل فيه المقصود بالإفادة و الذي أراده في نفسه حين إلقاء اللّفظ فهو أجنبيّ عن اللّفظ خارج عن سنخ الكلام فلا يتصف بصدق و لا كذب و لا يتصف بهما اللّفظ أيضا بملاحظته و على هذا فالتورية كذب كما هو ظاهر المحقق القمي (رحمه الله) و الشيخ الفقيه في الجواهر و السيّد المعتمد في الدلائل و حكي عن غير واحد من الأجلاّء و منهم العلاّمة النراقي و حينئذ فلا وجه لما ذكروه من وجوب التورية حيث ما اضطر إلى الكذب لأن وجوبه إنما هو للفرار عن الكذب و لو كان هو نفس الكذب فلا فائدة في وجوبه و لو لم يخرج به الكلام عن الكذب فينتفي وجوبه عن الفائدة و احتمال وجوبها في نفسها تعبدا لا لأجل الفرار عن الكذب كما يظهر من بعض الأصحاب لا يلتفت إليه (أمّا أوّلا) فلأن كلماتهم آبية عن ذلك كما لا يخفى على المتتبع في عبائرهم لأنّهم يعلّلونه بالفرار عن الكذب و أين هذا من كونه واجبا تعبّديا (و ثانيا) أنّ وجوبه التعبدي هنا معناه أن يأتي بلفظ له ظاهر و يلتفت إلى قضية صادقة خفية حين التلفّظ بلا نصب قرينة و حاصله يرجع إلى وجوب قصدها تعبّدا من دون أن يكون لها مدخلية في صدق الكلام و كذبه و مثل هذا يحتاج إلى دليل قوي و هو مفقود هنا كما لا يخفى هذا على فرض انحصار الكلام في اللّفظي كما هو الحق و الصّواب و إن أغمضنا عنه بأن سلّمنا النّسبة الخبرية التامة و قلنا بالكلام النّفسي قلنا إبطال مقالة الخصم بوجه آخر و ذلك بأن نقول إنّ الصّدق و الكذب من صفات اللّفظ كالتثنية و الجمع و الإعراب و البناء و نحوها فصدق الكلام و كذبه باعتبار مطابقة ظاهر ما يستفاد من اللّفظ للواقع و عدمه و هو القضيّة الملفوظة لا من صفات المعنى حتى يكون المدار في الصّدق و الكذب على مطابقة القضية المعقولة و هي النّسبة الخبرية و عدمها كما يزعمون و الحاصل أن المتكلّم إذا تلفظ بكلام فهاهنا قضيّتان إحداهما قضية معقولة و هي الّتي أرادها في نفسه و الثانية قضية ملفوظة و الموصوف بأحد الأمرين من الصّدق و الكذب هو القضية الملفوظة و مدار الصّدق و الكذب هو مطابقتهما و عدمها و يساعده العرف و اللّغة و يشهد على ما ذكرنا أن الإشارة لا تتصف بالصّدق و لا بالكذب عرفا و لغة و من ذلك يسقط احتمال أن المدار في الكذب على مخالفة

اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست