responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفصول الغروية في الأصول الفقهية المؤلف : الحائري الاصفهاني‌، محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 324

نسبة خلق الكثير إليه كنسبة خلق الواحد إليه قال تعالى ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة فالترتيب الزماني إنما هو بين الموجودات الزمانية مقيسا بعضها إلى بعض و لقد عسر فهم هذا المعنى على الأفهام القاصرة المقصورة على إدراك الأمور الزمانية فصدرت منهم مقالات فاسدة ناشئة عن قصور النظر عن إدراك المجرد عن الزمان كتمسّك بعض الحكماء على قدم العالم بأنّ علة وجوده إن كانت تامة في الأزل لزم القدم و إن كانت ناقصة متوقفة على حدوث أمر فيما لا يزال فهو أيضا من العالم و ننقل الكلام إليه فيلزم القدم أو يتسلسل و كجواب بعض المتكلمين عنه بأنه يجوز أن يكون الحكمة قاضية بإيجاد العالم في وقت معيّن و مرجعها إلى العلم بالأصلح و كتمسك بعض على نفي علمه تعالى بالجزئيات بأنّها تتغير و يمتنع التغيّر في علمه تعالى إلى غير ذلك و وجه فساد الأولين أنه لم يكن قبل خلقه تعالى للزمان زمان و لا وقت فلا معنى للسؤال عن سبب تأخير إيجاد العالم من وقت إلى وقت و لا الجواب بإمكان قضاء المصلحة بالتأخير كما أنّه لا معنى للسّؤال عن علة خلق الأفلاك بما فيها في هذا المكان المخصوص دون غيره و لا الجواب بقضاء الحكمة بذلك إذ لا مكان قبل خلق المكان نعم يتجه السّؤال عن علة عدم خلق زمان قبل الزمان الأول بناء على عدم قدمه كما يتجه السّؤال عن علة عدم خلق فلك آخر فوق الأفلاك الموجودة أو خلق مكان فوق المكان الموجود و يتجه الجواب حينئذ بمراعاة الحكمة و وجه فساد الأخير أن نسبة تغيّرات المتغير إليه تعالى نسبة واحدة لا تقدم و لا تأخر لها بالنسبة إليه و إنما التقدم و التأخر متحقق بين تلك التغيرات فهو تعالى عالم بكل شي‌ء في مرتبته لا تغيير في علمه فعلمه بذات زيد مثلا في مرتبة ذاته و بوجوده في مرتبة وجوده و بعدمه في مرتبة عدمه و بقيامه في مرتبة قيامه و بجلوسه في مرتبة جلوسه و هكذا و إن شئت مزيد توضيح لذلك فانظر إلى علمك بالتغيرات اللاحقة للحوادث الماضية فإنّك ترى أنّ علمك بها من حيث كونه علما بها غير متغير و إنما ترى التغير في المعلوم بحسب مراتبه اللاحقة له و أمّا علمك في هذا اليوم بأنّ زيدا مثلا يوجد غدا ثم زوال علمك هذا في غد و حدوث علم لك بأنه موجود الآن ثم زوال علمك هذا أيضا بعد ذلك و حدوث علم لك بأنه كان قبل هذا موجودا فناشئ عن مقايسة زمان وجود زيد إلى أزمنة وجودك فترى وجود زيد تارة متأخرا عن زمان وجودك الذي أنت فيه و مرة مقارنا له و أخرى متقدّما عليه فيلحقك بحسب كل زمن من أزمنة وجودك الثلاثة علم مغاير لعلم الآخر و حيث إنه تعالى لا يحيط به الزمان لا يتصوّر بالنسبة إليه ماض و لا حال و لا مستقبل فيمتنع ذلك في حقه بل هو تعالى عالم بتأخر وجود زيد عن بعض أزمنة وجودك و بمقارنته لبعض منها و بتأخره عن بعض آخر علما أزليّا أبديّا لا يتغيّر و السّر في ذلك كله أنّ وجوده تعالى ليس وجودا امتداديّا و لا بقاؤه بامتداد وجوده كما يتصوّر في الموجودات الزمانيّة بل إذا قلنا هو أزليّ فعلى معنى أنّ وجوده غير مسبوق بالقدم و إذا قلنا أبديّ فعلى معنى أن وجوده لا يلحقه عدم و قد يتوهم أن علمه تعالى بالأشياء ليس إلا نحو وجودها فلا يعلم بها إلا حال وجودها و هو فاسد لاستلزام بطلان قدرته تعالى و حكمته لأنّ الفاعل للشي‌ء من غير علم لا يكون قادرا عليه و لا يعد حكيما و لاستلزامه إسناد الجهل إليه تعالى في مرتبة ذاته لتقدّمها على فعله الذي يزعم هذا المتوهّم أنه علمه و أن يكون علمه تعالى بالأشياء زائدا على ذاته لحدوثه و قدمها فيلزم أن يكون محلاّ للحوادث بل الحق أنّه تعالى عالم بذاته بالحوادث في مراتبها حيث لا حادث و لا مرتبة و بعبارة أخرى عالم بذاته بها قبل حدوثها و قبل مراتبها و قد أشار إليه (عليه السلام) بقوله (عليه السلام) عالم إذ لا معلوم و سميع إذ لا مسموع و بصير إذ لا مبصر و علمه تعالى بها بعينها و نفسها لا بوجهها و صورتها و إلا لزم جهله بعينها أو حدوث علمه بها و كلاهما محال و أما ما دل من الآيات على حدوث علمه تعالى ببعض الحوادث كقوله تعالى لنعلم أيّ الحزبين أحصى و كقوله تعالى و لمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصّابرين فمؤوّل إذا عرفت هذا تبيّن عندك أنّ إرادته تعالى‌

ليست زمانية لأنّ الزّمان موجود بها فهو متأخر بحسب المرتبة عنها فلا تكون محاطة به فظهر من ذلك بطلان الدفع الثاني بما ذكر فيه و اعلم أنّ الذي يقتضيه البراهين العقلية و يستفاد من أخبار أهل العصمة أن إرادته تعالى مخلوقة له لا تفارق المراد لأنه عبارة عن إيجاده و إحداثه تعالى فإنه لا يروى و لا يهمّ و لا يتفكر و مثلها المشية إلا أنّها متقدمة بحسب المرتبة على الإرادة كما يستفاد من بعض الأخبار فيكون الفرق بينهما بالكلية و الجزئية و قد يطلق أحدهما على ما يعمّ الآخر كما هو معناهما لغة فيترادفان و زعم بعض متأخري أصحابنا أنّ المشية قديمة و أنها عين الذات كسائر الصّفات الذاتية و حمل ما دل من الأخبار على أنه مخلوقة كقوله (عليه السلام) خلق اللّه الأشياء بالمشيّة و خلق المشية بنفسها على مشية العباد و هو تكلف واضح و في بعض الأخبار تصريح بأنّها محدثة و ليست بقديمة و حملها على مشية العباد غير سديد إذ لا يذهب و هم إلى قدمها و في بعض الأخبار أنها غير العلم معللا بأنّك تقول افعل كذا إن شاء الله و لا تقول إن علم اللّه فلو كانت نفس الذات لكانت نفس العلم فلا يبقى فرق بينهما إلاّ بمجرّد المفهوم و هو لا يصلح فرقا لصحة القول الأول و بطلان الثاني نعم كونه تعالى بحيث يشاء و يريد الأصلح عين الذات لأنّه بذاته كذلك إلاّ أن إطلاق المشيّة و الإرادة على ذلك مجاز الرابع جواب الحلّ و بيانه من وجهين الأول أنا نختار كون الفعل غير لازم الصّدور من الفاعل و نمنع احتياجه إلى المرجح لجواز الترجيح من غير مرجح بدليل أن الهارب من السّبع إذا صادف طريقين متساويين في نظره في‌

اسم الکتاب : الفصول الغروية في الأصول الفقهية المؤلف : الحائري الاصفهاني‌، محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست