و بورود الخاصّ يرتفع الشك، فيسقط العام عن الحجية. و لو كان في أعلى مرتبة من الظهور، فيقدم الخاصّ عليه و ان كان في أدنى مراتبه. و كذا الأمر في كل قرينة مع ذيها، فان القرينة مع إحراز قرينيتها مقدمة على ذي القرينة. و لو كان ظهوره أقوى من ظهور القرينة. و ظهر بما ذكرناه أن ما ذكره صاحب الحدائق- و احتمله صاحب الكفاية (ره) أخيراً من أنه يعامل مع العام و الخاصّ معاملة المتعارضين من الرجوع إلى المرجحات، و إلى التخيير مع فقدها- ليس في محله، إذ مع وجود الخاصّ يرتفع موضوع حجية العام، و بعد عدم كون العام حجة لا معنى للتعارض بينه و بين الخاصّ، لأن التعارض هو تنافي الحجتين من حيث المدلول.
(الكلام في الفرق بين التعارض و التزاحم)
(اعلم) أن التزاحم قد يطلق على تزاحم الملاكات، كما إذا كان في فعل جهة مصلحة تقتضي إيجابه، و جهة مفسدة تقتضي تحريمه، أو كان فيه جهة مصلحة تقتضي إيجابه، و جهة مصلحة تقتضي إباحته، فان الإباحة لا تلزم أن تكون ناشئة من عدم المصلحة و عدم المفسدة دائماً، بل قد تكون ناشئة من مصلحة في الترخيص، كما في قوله عليه السلام: «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» يعني الترخيص، في ترك السواك، و هو الإباحة بالمعنى الأعم، إنما هو لمصلحة التسهيل على الأمة.
و الأمر في هذا التزاحم بيد المولى، فهو الّذي يلاحظ الجهات، و يجعل الحكم طبقاً لما هو الأقوى من الملاكات. و ليس للعبد إلا الامتثال بلا ملاحظة المصلحة أو المفسدة، بل لو فرض أن المولى قد اشتبه و جعل الوجوب بزعم كون المصلحة أقوى من المفسدة، و علم العبد بتساويهما أو بكون المفسدة أقوى من المصلحة، يجب عليه الامتثال بحكم العقل، فانه لو تركه معتذراً بكون المأمور به خالياً عن المصلحة، لا يسمع منه الاعتذار و يكون معاقباً عند العقلاء، كما أن الأمر في القوانين المجعولة من قبل