اسم الکتاب : غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع المؤلف : ابن زهرة الجزء : 1 صفحة : 195
ومن صد بعدو أو
أحصر بمرض فلم يستطع النفوذ لأداء المناسك ، فإن كان قارنا أنفذ هديه [١] ، وإن كان متمتعا أو مفردا أنفذ ما يبتاع به الهدي ، فإذا
بلغ محله ، وهو يوم النحر ، فليحلق رأسه ، ويحل إن كان مصدودا بعدو من كل شيء
أحرم منه ، وإن كان محصورا بمرض تحلل من كل شيء إلا النساء حتى يطوف طوافهن من
قابل أو يطاف عنه ، والدليل على ذلك الإجماع الماضي ذكره وأيضا قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ)[٢] وذلك عام في المرض والعدو معا.
وليس لأحد أن
يقول : الآية خاصة في الإحصار بالعدو ، لأنها نزلت بسبب صد المشركين عام الحديبية
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وللمسلمين عن البيت ، لأن الكلام إذا خرج على سبب لم
يجز قصره عليه ، بل يجب حمله على عمومه ، وإدخال السبب فيه ، على ما بيناه فيما
مضى من أصول الفقه ، ويؤيد ذلك في هذا الموضع ، أنه تعالى لو أراد الإحصار بالعدو
خاصة ، لقال : «فإن حصرتم» لأنه اللفظ المختص بالعدو دون المرض ، ولم يقل (أُحْصِرْتُمْ) من الإحصار المشترك بينهما.
قال الكسائي
والفراء وأبو عبيدة وثعلب وأكثر أهل اللغة : يقال : أحصره المرض لا غير ، وحصره
العدو وأحصره أيضا ، وليس لأحد أن يقول : قوله تعالى في سياق الآية (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ)[٣] دليل على أنه أراد الإحصار بالعدو ، ولأن الأمن قد يكون
من المرض ، وهو أن يأمن زيادته ، على أن لفظ الإحصار إذا كان حقيقة في المرض
والعدو ، كان قوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ) راجعا إلى بعض ما يتناوله العموم ، وهذا لا يمتنع من
دخول غير ما تعلق التخصيص في الخطاب.
ولا يجوز ذبح
هدي الإحصار إلا بمحله من البيت أو منى مع الاختيار ، ومع الضرورة يجوز ذبحه بحيث
هو ، بعد أن ينتظر به بلوغ محله ، وهو يوم النحر ،