اسم الکتاب : غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع المؤلف : ابن زهرة الجزء : 1 صفحة : 146
من أوجب على نفسه الاعتكاف بنذر أو عهد ، لا بد أن يتيقن براءة ذمته منه ، ولا
خلاف في براءة ذمته إذا صام ، وليس كذلك إذا لم يصم ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ)[١] ، ولفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في
ذلك ، وعلى كل حال يفتقر فيه إلى بيان ، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في
بيانه إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا وجدناه عليهالسلام لم يعتكف إلا بصوم ، كان فعله بيانا ، وفعله إذا وقع
على وجه البيان كان كالموجود في لفظ الآية ، ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا اعتكاف إلا بصوم [٢] وقوله لعمر : اعتكف وصم. [٣]
ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو إمام عدل بعده الجمعة ، وذلك أربعة : المسجد
الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، بدليل الإجماع المتكرر
وطريقة الاحتياط ، لأنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على
انعقاده في غيرها دليل.
قوله تعالى (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ، لا ينافي ما ذكرناه ، لأن اللفظ مجمل ، ولفظ المساجد
ها هنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد ، لمثل ما قدمناه من
الإجماع وطريقة الاحتياط ، وتعلق المخالف في ذلك بظاهر قوله تعالى (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ، وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام ، لا يصح لأنا قد
بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية ، فلا بد من
الرجوع إلى الشرع ، إما في الاسم أو في الشروط ، فعليهم أن يدلوا على أن ما نقص عن
الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم ، ويكمل له الشروط الشرعية حتى