اسم الکتاب : تسديد الأصول المؤلف : المؤمن القمي، محمد الجزء : 2 صفحة : 381
و ذلك لما عرفت غير مرّة أنّ المفهوم العرفيّ و العقلائيّ من كلّ عنوان و طبيعة إنّما هو واقع تلك الطبيعة، الّذي لا محلّ له إلّا الخارج، و لا واقع له إلّا الموجود الّذي يترتّب عليه جميع لوازم تلك الطبيعة، فإذا قيل: «كلّ نار حارّة» فالمفهوم من النار كالمفهوم من الحارّ ليس إلّا ذلك المصداق الملتهب المحرق، و ذلك الّذي فيه حرارة بالفعل، و قد حكم المتكلّم بتلك القضيّة أنّ جميع ما يكون نارا في الخارج و العين فهو ذو حرارة فعليّة، فغاية الأمر أنّ اللّه تعالى قد جعل النفس قادرة على التوجّه و الالتفات إلى جميع المصاديق التي يشملها قولنا: «كلّ نار»، و الحكم على كلّ منها بأنّها ذات حرارة بالفعل، سواء فيه الموجود حين إنشاء الحكم و المعدوم حينه، فالمحكوم عليه هو النار الخارجيّة العينية، و المحكوم به أيضا هو ذو الحرارة الخارجيّة العينيّة، و ما دام ليس من النار و الموضوع أثر فلا أثر من الحرارة و المحمول.
و في قولنا: «حرّمت عليكم الخمر» فما دام ليس لنا خمر فليس هنا حرمة فعليّة، فاذا صار العصير خمرا فقد وجد مصداق لتلك الطبيعة، و لا محالة تنطبق عليه الحرمة، و فرض أنّ جميع مصاديقها موجودة حين الحكم، و الحكم على تلك الأفراد المفروضة تجشّم غير واقعيّ يكذّبه الوجدان، فإنّ المحكوم عليه ليس إلّا واقع الخمر و المصداق الحقيقي لا المصاديق الفرضيّة، فإنّ الفرض خيال، و الخيال يتبعه الخيال، و للواقع مجال آخر، كما أنّ إضمار قضيّة شرطيّة أيضا التزام غير لازم و خلاف الواقع.
و مع ذلك كلّه فقد مرّ منّا: أنّ حرمة الخمر بمفهومها الوسيع الكلّي أحد القوانين الإسلاميّة، و لها وجود اعتباريّ يناسب وجود القوانين و إن لم يكن في الخارج مصداق من الخمر أصلا، فهذا القانون الكلّي قابل للاستصحاب إذا شكّ في بقائه و ارتفاعه. فالحرمة الفعليّة و إن توقّفت على المصداق الفعلي إلّا أنّ ذلك لا ينافي أن يكون لنفس حرمة الخمر في قالب مفاد القضيّة الحقيقيّة أيضا وجود قانوني قابل للبقاء أو الارتفاع، و محكوم بالبقاء إذا شكّ في نسخه بحكم الاستصحاب.
اسم الکتاب : تسديد الأصول المؤلف : المؤمن القمي، محمد الجزء : 2 صفحة : 381