اسم الکتاب : رحلة إلى رحاب الشريف الأكبر شريف مكة المكرّمة المؤلف : شارل ديدييه الجزء : 1 صفحة : 180
وإن كثيرا من هؤلاء الأشراف فقراء جدا ويعيشون على النفقة التي يدفعها إليهم الباب العالي ، ولكن ذلك لا يمنعهم من الاعتزاز بالدم الأصيل الذي يجري في عروفهم ، ويعدون أنفسهم ، على الرغم من فقرهم المدقع ، أرفع مقاما من أعظم الباشاوات الأتراك.
يشكل أشراف مكة طبقتين رئيسيتين : أولئك الذين يعنون بالآداب والشريعة والعبادة ، وبالتجارة ، وأولئك الذين وقفوا أنفسهم على السلاح والأمور العامة. يطلق على الأولين اسم : سيد ، أما الآخرون فهم الذين يحتكرون لقب الشريف [١]. ويتبع الأبناء عادة وضع آبائهم / ١٦٦ / وأضيف هنا خصوصية غريبة ، وهي أن بنات الأشراف الذين يصلون إلى سدة الحكم محكوم عليهن بألّا يتزوجن [٢]. وكان الأشراف في الماضي يحكمون البلد وحدهم مستبعدين الطبقات الأخرى. وشهدت حياتهم السياسية تقلبات كثيرة.
وأدوا في مكة الدور نفسه الذي أداه المماليك في مصر : فقد احتكروا كل المناصب المدنية والعسكرية ، وكانوا يعدون أنفسهم الأجدر دون غيرهم بالسلطة ، ويتصارعون عليها بينهم بالسلاح غالبا ، ويجرون معهم إلى خصوماتهم الشعب والبدو المجاورين. وليس الحياد بمسموح. ينبغي ، طوعا أو كرها ، مناصرة إحدى الأسر المتنافسة ، والتعرض لأشد الأخطار ، في فتن أهلية تتجدد على الدوام. كان يراق فيها الدم غالبا ، وكان المنهزمون يجلون عن البلد حتى يحدث انقلاب طارىء يغير وجه الأمور ، ويعيدهم إلى مسرح السياسة من جديد.
[١] ويقال إن السادة (جمع سيد) يعودون بنسبهم إلى الحسين بن علي رضياللهعنهم ، وهم في مكة المكرمة مجموعة خاصة يتزعمها من تختاره ، وتصادق الدوائر الحكومية على ذلك. ومنذ عام ١٨٨٥ م صار يعينه الشريف أو الوالي أو من هو أقوى منهما. أما الأشراف فهم الذين يعود نسبهم إلى الحسن بن علي رضياللهعنهم ؛ وهم أسر فصّل في أسماء أفرادها وأنسابهم هورخرونيه في كتابه صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ٢ ، ص ٦٥١ ـ ٦٥٣.