فانطلق عمرو وصاحبه ، وبعث معهما الشمّاس دليلا ورسولا ، وزوّدهما وأكرمهما ؛ حتّى رجع هو وصاحبه إلى أصحابهما ؛ فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها ، ورأى منها ما علم أنّها أفضل البلاد وأكثرها مالا. فلمّا رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فيما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفا ، قال عمرو : فكان أوّل مال اعتقدته وتأثّلته [١].
ذكر كتاب رسول الله 6 إلى المقوقس
قال ابن عبد الحكم : حدّثنا هشام بن إسحاق وغيره ، قال : لمّا كانت سنة ستّ من الهجرة ، ورجع رسول الله من الحديبيّة بعث إلى الملوك ، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندريّة ، فمضى حاطب بكتاب رسول الله 6 ، فلمّا انتهى إلى الإسكندريّة ، وجد المقوقس في مجلس يشرف على البحر ، فركب البحر ؛ فلمّا حاذى مجلسه ، أشار بكتاب رسول الله 6 بين إصبعيه ، فلمّا رآه أمر بالكتاب فقبض ، وأمر به فأوصل إليه ، فلمّا قرأ الكتاب قال : ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟ فقال له : ما منع عيسى ابن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل؟ فوجم ساعة ، ثم استعادها فأعادها حاطب عليه ، فسكت ؛ فقال له حاطب : إنّه قد كان قبلك رجل يزعم أنّه الربّ الأعلى ، فانتقم الله به ثمّ انتقم منه ؛ فاعتبر بغيرك ، ولا يعتبر بك. وإنّ لك دينا لن تدعه إلّا لما هو خير منه ، وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه ، وما بشارة موسى بعيسى إلّا كبشارة عيسى بمحمّد ، وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنّا نأمرك به ؛ ثمّ قرأ الكتاب ، فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله ، إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتّبع الهدى ؛ أمّا بعد ، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام ، فأسلم تسلم ويؤتك الله أجرك مرّتين ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٦١].
فلمّا قرأه أخذه ، فجعله في حقّ [٢] من عاج ، وختم عليه ، ثمّ دعا كاتبا يكتب بالعربية ، فكتب :