تزل على بنائه ومصانعه ، ثمّ تداولها الملوك ؛ ملوك مصر بعده ، فبنت دلوكة بنت زبّاء منارة الإسكندريّة ومنارة بوقير بعد فرعون ، فلما ظهر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام على الأرض اتّخذ بها مجلسا ، وبنى فيها مسجدا. ثمّ إنّ ذا القرنين ملكها ، فهدم ما كان فيها من بناء الملوك والفراعنة وغيرهم ، إلّا بناء سليمان بن داود ، لم يهدمه ولم يغيّره ، وأصلح ما كان تخارب منه ، وأقرّ المنارة على حالها. ثم بنى الإسكندريّة من أوّلها بناء يشبه بعضه بعضا ، ثم تداولتها الملوك من الرّوم وغيرهم ؛ ليس من ملك إلا يكون له بناء يضعه بالإسكندريّة يعرف به ، وينسب إليه.
قال ابن عبد الحكم : ويقال إنّ الذي بنى منارة الإسكندريّة قلبطرة [١] الملكة ، وهي التي ساقت خليجها حتّى أدخلته الإسكندريّة ، ولم يكن يبلغها الماء. قال : ويقال إنّ الذي بنى الإسكندرية شدّاد بن عاد.
وقال ابن لهيعة : بلغني أنّه وجد حجر بالإسكندريّة مكتوب فيه : «أنا شدّاد بن عاد ، وأنا الذي نصب العماد ، وحيّد الأحياد ، وسدّ بذراعيه الواد ، بنيتها إذ لا شيب ولا موت ، وإذا الحجارة لي في اللّين مثل الطين». قال ابن لهيعة : والأحياد كالمغار.
وأخرج ابن عبد الحكم عن تبيع قال : إنّ في الإسكندرية مساجد خمسة مقدّسة : مسجد موسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة ، ومسجد سليمان عليه الصلاة والسلام ، ومسجد ذي القرنين ، ومسجد الخضر ؛ أحدهما عند القيساريّة ، والآخر عند باب المدينة ، ومسجد عمرو بن العاص الكبير.
قال ابن عبد الحكم : وحدّثنا أبي ، قال : كانت الإسكندريّة ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض : منّة ؛ وهي موضع المنارة وما والاها ، والإسكندريّة وهي موضع قصبة الإسكندرية اليوم ، ونقيطة ؛ وكان على كلّ واحدة منهنّ سور ، وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن ؛ يحيط بهنّ جميعا.
وأخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن طريف الهمدانيّ ، قال : كان على الإسكندريّة سبعة حصون وسبعة خنادق.
وأخرج عن خالد بن عبد الله وأبي حمزة أنّ ذا القرنين لمّا بنى الإسكندريّة رخّمها بالرّخام الأبيض ؛ جدرها وأرضها ، فكان لباسهم فيها السّواد والحمرة ؛ فمن قبل ذلك لبس الرهبان السّواد من نصوع بياض الرّخام ، ولم يكونوا يسرجون فيها بالليل من بياض