ولمّا عدّى القاضي شهاب الدين [١] بن فضل الله إلى الأهرام ، كتب إلى الأمير الجائي الداوادار ، وذلك سنة تسعة وعشرين وسبعمائة ، قال :
لي البشارة إذ أمسيت جاركم
في أرض مصر بأنّي غير مهتضم
حفظتمولي شبابي في ظلالكم
مع أنّكم قد وصلتم بي إلى الهرم
ويقبّل الأرض ، ويحمد الله على أن شرح له في ظلّ مولانا صدرا ، وأوجد النّجح لأمانيه التي قيل لها اهبطي مصرا ؛ حتّى أقّرت بها منتهى الرّحلة ، واتّخذ بها بيوتا جعل أبوابها من قصر مولانا إلى قبله. وينهى أنّه كان يستهول البحر أن يركب لحجه ، أو أن يصعد في أمواجه العالية درجه ، ثمّ ترك لما يقرّ به من خدمة مولانا الوجل ، وأفكر فيما أحاط به من كرمه ، فقال : «أنا الغريق فما خوفي من البلل» [٢].
فركب حراقة لا يطفئ لهيبها الماء القراح ، ولا تثبت منها العيون سوى ما تدرك من هفيف الرياح ، ثمّ أفضى إلى غدران تحفّ بها رياض تملأ العين ، وتتحلّى منها بماء جمد عليه الزّمرد وذاب اللّجين ، وختم يومه بالنزول في جيزة مولانا التي أمن بها من النوب ، وبلغت منها إلى هرمين ، علم بهما أنّ هذه الأيام الشريفة أعراس وهما بعض ما تزينت به من اللعب.
ومن ذلك رسالة لضياء الدين [٣] بن الأثير في وصف مصر :
ولقد شاهدت منها بلدا يشهد بفضله على البلاد ، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد ، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره ، ولا وصفه واصف إلّا علم أنّه لم يقدره
[١] لعلّه فضل الله بن فضل الله العمري شهاب الدين أحمد (١٣٠١ ـ ١٣٤٩ م) مؤرخ وشاعر من أئمة الكتاب المترسلين من أسرة كتاب اشتهرت في عهد المماليك ، مولده ووفاته في دمشق ، من مؤلفاته : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، والتعريف بالمصطلح الشريف ، وله شعر في منتهى الرقّة. [المنجد في الأعلام].
[٢] صدر بيت المتنبي هو : والهجر أقتل لي ممّا أراقبه ...
[٣] ضياء الدين بن الأثير (١١٦٢ ـ ١٢٣٩ م) أقام في الموصل ودرس فيها وتوفي ببغداد ، رحل إلى دمشق قاصدا السلطان صلاح الدين الأيوبي وتوزّر لابنه الملك الأفضل ، ثم هرب إلى القاهرة.
له : المثل السائر في أدب الكاتب الشاعر. [المنجد في الأعلام].