قال ابن عبد الحكم : في زمان شدّاد [١] بن عاد ، بنيت الأهرام كما ذكر عن بعض المحدّثين. قال : ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر في الأهرام خبرا يثبت ، وفي ذلك يقول الشاعر :
قال : ولا أحسب إلا أنها بنيت قبل الطوفان لأنّها لو بنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس.
قال جماعة من أهل التاريخ : الذي بنى الأهرام سوريد بن [٥] سلهوق بن شرياق ملك مصر ؛ وكان قبل الطوفان بثلاثمائة [٦] سنة ؛ وسبب ذلك أنّه رأى في منامه كأنّ الأرض انقلبت بأهلها ، وكأنّ النّاس هاربون على وجوههم ، وكأنّ الكواكب تساقطت ، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة ، فأغمّه ذلك وكتمه ، ثمّ رأى بعد ذلك كأنّ الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض ، وكأنّها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين ، وكأنّ الجبلين انطبقا عليهم ، وكأنّ الكواكب النيّرة مظلمة ؛ فانتبه مذعورا ، فجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر ـ وكانوا مائة وثلاثين كاهنا ، وكبيرهم يقال له أفليمون ـ فقصّ عليهم ، فأخذوا في ارتفاع الكواكب ، وبالغوا في استقصاء ذلك ، فأخبروا بأمر الطوفان. قال : أو يلحق بلادنا؟ قالوا : نعم ، وتخرب وتبقى عدّة سنين. فأمر عند ذلك ببناء الأهرام ، وأمر بأن يعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان بعينه ، ثمّ يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد ، وملأها طلّسمات وعجائب وأموالا وخزائن وغير ذلك ، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء
[١] في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ١ / ٢٥٧ : شداد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.