السّماعيّ الصحابيّ رضياللهعنه قال : كانت لمصر قناطر وجسور بتقدير وتدبير ، حتّى إنّ الماء ليجري تحت منازلها وأقنيتها ، فيحبسونه كيف شاؤوا ، ويرسلونه كيف شاؤوا ؛ فذلك قوله تعالى فيما حكى من قول فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف : ٥١] ، ولم يكن في الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر. وكانت الجنّات بحافّتي النيل من أوّله إلى آخره من الجانبين جميعا ، ما بين أسوان إلى رشيد [١] ، وسبعة خلج : خليج الإسكندرية ، وخليج سخا [٢] ، وخليج دمياط ، وخليج منف ، وخليج الفيّوم ، وخليج المنهى [٣] ؛ وخليج سردوس [٤] ؛ جنّات متّصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء ، والزرع ما بين الجبلين ، من أوّل مصر إلى آخرها ممّا يبلغه الماء ، وكان جميع مصر كلّها تروى من ستّة عشر ذراعا لما قدروا ودبّروا من قناطرها وخلجها وجسورها ، فذلك قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الدخان : ٢٥ ، ٢٦] ، قال : والمقام الكريم المنابر [٥] كان بها ألف منبر.
فصل
في آثار أوردها المؤلفون في أخبار مصر
ولم أقف عليها مسندة في كتب أهل الحديث ، أوردها ابن زولاق وغيره ، عن عبد الله بن عمر.
قال : لمّا خلق الله آدم مثّل له الدنيا شرقها وغربها ، وسهلها وجبلها ، وأنهارها وبحارها ، وبناءها وخرابها ، ومن يسكنها من الأمم ، ومن يملكها من الملوك. فلمّا رأى مصر رأى أرضا سهلة ، ذات نهر جار ، مادّته من الجنّة ، تنحدر فيه البركة ، وتمزجه
[١] في معجم البلدان : رشيد بليدة على ساحل البحر والنيل قرب الإسكندرية.
[٢] في معجم البلدان : سخا كورة بمصر وقصبتها سخا بأسفل مصر.
[٣] في معجم البلدان في مادة فيّوم : فوضع يوسف العمال فحفر خليج المنهى من أعلى أشمون إلى اللاهون.
[٤] في معجم البلدان : سردوس من خلجان مصر ، قال عمرو بن العاص : استعمل فرعون هامان على حفر خليج سردوس ... فلا يعلم في مصر خليج أكثر عطوفا من سردوس.
[٥] في تفسير الجلالين : المقام الكريم : المجلس الحسن.