responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 125

وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر ، فقدموا عليه ، فقال عمر : يا عمرو ؛ إنّ الله قد فتح على المسلمين مصر ، وهي كثيرة الخير والطعام ، وقد ألقي في روعي ـ لما أحببت من الرّفق بأهل الحرمين ، والتوسعة عليهم ـ أن أحفر خليجا من نيلها حتّى يسيل في البحر ، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكّة ؛ فإنّ حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ معه ما نريد ؛ فانطلق أنت وأصحابك ، فتشاوروا في ذلك حتّى يعتدل فيه رأيكم.

فانطلق عمرو ، فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم ، وقالوا : نتخوّف أن يدخل في هذا ضرر على أهل مصر ، فنرى أن تعظّم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له : هذا أمر لا يعتدل ، ولا يكون ، ولا نجد إليه سبيلا.

فرجع عمرو بذلك إلى عمر ، فضحك حين رآه ، وقال : والذي نفسي بيده ، لكأنّي أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به من حفر الخليج ، فثقل ذلك عليهم ، وقالوا : يدخل في هذا ضرر على أهل مصر ؛ فنرى بأن تعظّم ذلك على أمير المؤمنين ، وتقول له : هذا لا يعتدل ، ولا نجد إليه سبيلا.

فعجب عمرو من قول عمر ، وقال : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، لقد كان الأمر على ما ذكرت ، فقال عمر : انطلق يا عمرو بعزيمة منّي حتّى تجدّ في ذلك ، ولا يأتي عليك الحول حتّى تفرغ منه إن شاء الله تعالى. فانصرف عمرو ، وجمع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد ، ثمّ احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط ، الذي يقال له خليج أمير المؤمنين ، فساقه من النّيل إلى القلزم ؛ فلم يأت الحوّل حتّى فرغ ، وجرت فيه السفن ، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكّة ، فنفع الله بذلك أهل الحرمين ، وسمّي خليج [١] أمير المؤمنين.

ثم لم يزل يحمل فيه الطعام ، حتّى حمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه ، ثمّ ضيّعه الولاة بعد ذلك ، فترك وغلب عليه الرمل ، فانقطع ، وصار منتهاه إلى ذنب التّمساح [٢] من ناحية طحا [٣] القلزم.


[١] في الخطط المقريزية ٢ / ١٣٩ : هذا الخليج بظاهر مدينة فسطاط مصر ، ويمرّ من غربي القاهرة ، وهو خليج قديم احتفره بعض قدماء ملوك مصر ... ثم جدّد حفره بعض من ملوك الروم بعد الإسكندر ... ثم جدّد حفره بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عام الرمادة ، وكان يصب في بحر القلزم.

[٢] بحيرة التمساح التي أصبحت جزءا من قناة السويس.

[٣] طحا : ذكر ياقوت في معجم البلدان هذه البلدة غربي نهر النيل ، ولم يذكر غيرها على بحر القلزم.

اسم الکتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 125
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست