تفرّق أصحابك؟ ولم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر ، لا تدري ما يفجؤهم ، فلعلّك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره. فاجمعهم إليك ، فإن أبوا عليك ، وأعجبهم موضعهم ، فابن عليه من فيء المسلمين حصنا. فعرض ذلك عمرو عليهم فأبوا [١] ، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ؛ ومن والاهم على ذلك من رهطهم يافع وغيرها ، وأحبّوا ما هنالك ، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن بالجيزة في سنة إحدى وعشرين ، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين. قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر : إنّ عمرو بن العاص لمّا سأل أهل الجيزة أن ينضمّوا إلى الفسطاط قالوا : متقدّم قدّمناه في سبيل الله ، ما كنّا لنرحل منه إلى غيره ، فنزلت يافع بالجيزة ، فيها مبرّح بن شهاب ، وهمدان ، وذو أصبح فيهم أبو شمر بن أبرهة ، وطائفة من الحجر ، منهم علقمة بن جنادة أحد بني مالك بن الحجر ، وبرزوا إلى أرض الحرث والزرع.
وكان بين القبائل فضاء ، من القبيل إلى القبيل ، فلمّا قدمت الأمداد في زمن عثمان ابن عفّان وما بعد ذلك ، وكثر النّاس ، وسّع كلّ قوم لبني أبيهم حتّى كثر البنيان ، والتأم خطط الجيزة.
قال ابن عبد الحكم : حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، قال : سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فعجب عمرو من ذلك وقال : أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب إليه عمر : سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزدرع ولا يستنبط بها ماء ، ولا ينتفع بها؟ فسأله فقال : إنّا لنجد صفتها في الكتب ؛ إنّ فيها غراس الجنّة. فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب إليه عمر : إنّا لا نعلم غراس الجنة إلا للمؤمنين ، فاقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ، ولا تبعه بشيء. فكان أوّل من دفن فيها رجل من المعافر ، يقال له عامر ، فقيل : عمرت.
حدّثنا هانىء بن المتوكّل ، عن ابن لهيعة ، أنّ المقوقس قال لعمرو : إنّا لنجد في كتابنا أنّ ما بين هذا الجبل وحيث نزلتم ينبت فيه شجر الجنّة ، فكتب بقوله إلى عمر بن