لقد قرأت أن اسمه" كان عبد الله" وأباه اسمه" داذبه» ، وكان من بين كبار كتّاب وعمّال" فارس" وكان على مذهب عبدة النار ، وتصادف أن أحد الخلفاء ولّى أباه على عمل ، فسعى الوشاة عليه فسجنه الخليفة ، وأنزل به أنواع العقوبات حتى تقفعت يداه ، فغلب على اسمه المقفع و" عبد الله بن المقفع" أسلم على يد" عيسى بن على" ، وقيل إن سبب إسلامه أنه ذات يوم كان يمر أمام كتّاب وكان غلام يقرأ بصوت مرتفع قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَالْجِبالَ أَوْتاداً)[١] فوقف حتى أتم الغلام السورة ، وقال : الحق إن هذا ليس كلام مخلوق ، وجاء الخبر إلى «عيسى بن على» واستدعاه فأقر وأسلم ، وقال البعض : إنه لم يسلم على يد أحد قط ، وكان لبالغ فضله وبلاغته رفيع الدرجات مقبول الشهادة فى بلاط الخلفاء والملوك ، ويروى أنه وقعت بينه وبين" الخليل بن أحمد الفراهيدى" مودة وصداقة فلم يكن لهما ثالث قط حتى سأله أحد أكابر العلماء ماذا ترى فى حقهما؟ قال : العقل راجح على العلم عند الخليل ، والعلم زايد على العقل عند ابن المقفع ويقال : إن أمره علم به الخليفة فى النهاية وأنه ذات يوم كان يمر ببيت نار المجوس وقال فى حقه هذا البيت :
[٢] ورد هذا البيت للشاعر الأموى" الأخوص" الذى يسمى بأبى عبد الله بن محمد وقد ردده" ابن المقفع" حينما مر ببيت نار بعد إسلامه فكان سببا فى اتهامه بالزندقة ، وكثر عليه التشنيع بعد موته ، وقد انقسم الناس فى أمره بين شيعة له وناع عليه ، فقد زعم المؤرخون أن ابن المقفع كان ينتحل فى أول أمره نحلة أبيه وهى المجوسية ، فلما كانت دولة بنى العباس على يديه ، فطلب إليه عيسى أن يغدو عليه بين القواد ورؤساء الأجناد ليكون إسلامه مشهورا ثم حضر معه المائدة فى المساء فجعل يأكل ويزمزم على عادة المجوس ، فلما كلمه عيسى فى ذلك قال : كرهت أن أبيت على غير دين ، ثم غدا إليه فأعلن إسلامه وتسمى عبد الله واكتنى أبا محمد.
(عبد الله بن المقفع ، «كليلة ودمنة» ، تحقيق محمد حسن نائل المرصفى ، ط الخامسة القاهرة ١٩٣٤ ، ص ٥٢ ، ٥٣) المترجم.