فتمّ له ذلك في أقرب مدّة ، وفرغ ممّا كان بقي عليه من إكمال عدد وعدّة ، وسار في تعبئة سارة ، ونهض في جوار للمركب جارّة ، حتى طلع على المركب والمسطح ، وهما مرتبعان في ذلك الأبطح [١] ، فدنا السّواد من السّواد [٢] ، وكان لما حضر من جياد الماء حضر الجياد. وبرز المركب للمسطح فقابله وهو مصمم إليه ، وقاتله وهو مشرف عليه ، فظهر المسلمون عليه ظهورا بيّنا ، وقدّروا الظفر به هنيّا هيّنا [٣].
وكشفوا النصارى عن ظهر المسطح حتى أخلوه ، ولم يشكوا في علو الأيدي إذا علوه. فجدّوا في حملتهم ، ومالوا إلى جانب المركب بجملتهم ، ولم تكن أحكمت أسباب جريته ، ولا أصلحت أداة توصيله إلى بغيته ، فأحجم عن طلقه ، وكاد يغرق بقلقه ، وبعد لأي ما استقل ، ووجد المسطّح فترة فنسل وانسل.
ولما علم أهل المركب أنّه قنص قد أفلت من مخالبهم [٤] ، وقبس أظلم في عين طالبهم ، عطفوا على / ٧ / مركب النصاري وريحه هابّة ، وظهره لا
ـ المزارع والقرى والعمارات ، وهي على قرب نهر صغير وأهلها تجار مياسير يسافرون برا وبحرا ويقتحمون سهلا ووعرا. ولهم أسطول ومعرفة بالحيل الحربية والآلات السلطانية ، ولهم بين الروم عزة أنفس. الحميري ، الروض المعطار ، ص ١٧٣.
[١] الأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، وسمّي كذلك لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٤١٣.
[٢] السوّاد : يقال رأيت سواد القوم أي معظمهم. وسواد العسكر : ما يشتمل عليه من المضارب والآلات والدواب وغيرها. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٢٢٥.