responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الواسطة في معرفة أحوال مالطة ، كشف المخبّا عن فنون أوروبّة المؤلف : أحمد فارس الشدياق    الجزء : 1  صفحة : 84

التسوية بين العباد والله تعالى لم يسوّ بينهم ، بل فضّل بعضهم على بعض ، فجعل اللئام يبذلون ماء وجوههم ويمتهنون أنفسهم في تحصيل معيشتهم ، وجعل ذوي الأدب والعرض ينزّهون أنفسهم عن الشين والمنكر؟ فهل من العدل أن لا يجعل بينهما فرق في الأحكام والمعاملة؟ وإلا لزم أن نقول : إن من يساوي بينهما وهو الحاكم ينبغي أن يكون مساويا لمن فرض عليه الحكم ، فلو تعمّد رجل مثلا للطم الحاكم على وجهه وهو جالس على كرسي الحكم أفعساه كان يغرم دريهمات لخزنة الدلة؟ وهل من العدل أن ترى لئيما ينازع كريما على شيء هو أدنى من أن يخطر بباله؟ نعم تصحّ التسوية بين غريمين تجهل حالهما ، فأمّا الحاكم الشرعي الذي يعرف بلاده ، ويخبر فاضلهم من مفضولهم ، فلا ينبغي له أن يسوّي بين كل مدّع ومدّعى عليه ، كما أنّه لا ينبغي أن يوزن الذهب في ميزان الخشب وفضلا عن ذلك فإن من ضرب مثلا مرّة لا يصح أن يجري عليه حكم من دأبه وديدنه الضرب ، وإلا لزم أن نقول : إن أهل اللغة أعقل وأحكم من أهل الشرع حيث فرّقوا بين الضارب والضراب والضروب.

هذا ولمّا كان الظاهر من حكم الإنكليز أنّه مبني على التسوية كانت الأوباش من أهل مالطة مثل أهل الفضل منهم في أنه لا يقبل للفاضل كلام على المفضول ، ولا يفصل بين اللئيم والكريم منهم غير الشهود ، وإن كان اللئيم معروفا بلؤمه ورذائله ، وربّما طلبت باعة المأكولات في شيء قيمته درهم عشرة دراهم فلا يمكن للمشتري أن يعارضهم بشيء ، وإذا أبى أن يشتري لم يخل من تطاول البائع عليه ، وقس على ذلك أصحاب القوارب والحمّالين ، وغيرهم من السفلة. فأي إنصاف هنا أن يرخّص لهولاء في هذا التعدي والطغيان ، ثم يقال : إن ذلك تسوية؟ ثم أي إنصاف أن يرخّص للباعة في أن يخلطوا الموائع [٩١] ، وأن يضعوا السمك واللحم الذي نشم [٩٢] في الخموم [٩٣] في الثلج حتى يتطرّى ، وفي أن يبيعوا الفج من الأثمار ، وأن يجعلوا


[٩١] الموائع : السوائل. (م).

[٩٢] نشم اللحم : تغيّرت رائحته. (م).

[٩٣] خمّ اللحم : أنتن. (م).

اسم الکتاب : الواسطة في معرفة أحوال مالطة ، كشف المخبّا عن فنون أوروبّة المؤلف : أحمد فارس الشدياق    الجزء : 1  صفحة : 84
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست