فنزلنا [٣٥ أ] هناك كيما نستريح ونقيل ، ونزيح علل الرفاق والدواب ونزيل ، ثم أخذنا في التحميل والترحيل ، وسرنا نحثّ في المسير والرحيل ، فوصلنا منزلة يغره [٢] وقد تضمخت صفحات الربى بخلوق الأصيل ، وأرزمت المطايا على الدعة أرزام الفصيل ، بعد أن قطعنا جسرها الطويل ، وهو جسر محكم البناء متّسع الفناء لكنه تهدم من طول [٣] الزمان ، وعليه مكتوب : عمارة مولانا السّلطان الملك الأشرف قايتباي ، تغمده الله بالرحمة والغفران ، فبتنا بها تلك الليلة ، وهي ليلة الخميس ، فلما تبسّم وجه الشرق بعد التعبيس ، وآذن روح الصبح بالتنفيس ، رحّلنا الخيل والبغال عوضا عن حمر النعم والعيس ، ثم سرنا ذلك النهار وهو سادس شوال جامعين بين الاعتكار والتغليس ، في عقاب من عقبات ، وحدر [٤] من مهاوي حدرات ، وغياض وأشجار ، وفياف وقفار ، ومهامة [٥] ينقطع فيها الرفيق عن الرفيق ، ومسالك [٣٥ ب] غاية في السعة وأخرى نهاية في الضيق ، وكان ابتداء السير في ذلك النهار : [من البسيط]
في بسيط من الفيافي إذا ما
سابق الطرف فيه عاد حسيرا
وانتهينا إلى عقاب وجدنا
في ذراها من العقاب كثيرا
وسلكنا ما بين حزن وسهل
وقطعنا دماثيا ووعورا
[١] البيتان في نهاية الأرب ١ : ٢٨٤ ، ومعاهد التنصيص ٢ : ٩٨.
[٢] وردت في الأصل «يغرى» وما أثبتناه من (م) و (ع).