ثم تجلّى وجهه الأشقر ، وتبلّج ضاحكا وأسفر ، ثم تطلعت عين الشمس ومدت حبالها الشديدة المرس ، الحاكية في لونها لون الورس ، ثم ارتفعت وعلت ، وفارت قدرها وغلت ، وتزايد حرّها ، واتقد جمرها ، فتراءى لنا حينئذ وجه حلب من بعيد ، وفارقنا القاضي من مقام الشيخ سعيد ، (فياله من فراق سعيد ، ورأي سديد ، وأمر حميد [١] ، ثم قصدنا باب المقام الحميد) [٢] ودخلنا مدينة حلب بسلام ، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرين شهر الصيام ، ونزلنا في زاوية الشيخي الإمامي الكبيري العارف بالله تعالى ، الشيخ حسين البيري [٣]; تعالى ورضي عنه وأرضاه ، فتلقانا ولده صديقنا وصاحبنا ، ذو الدّين الثخين ، والورع المتين ، والعقل الرصين ، الشيخ [٢٣ أ] العالم الفاضل أحمد أبو العباس شهاب الدّين [٤] ، ولم يصدق بالقدوم والحضور من عظم ما حصل عنده من السرور ، ولم يعرفنا إلّا من قريب ، فقابلنا حينئذ بالترحيب وتلقانا بالتقبيل والتعنيق ، وبكينا فرحا بجمع الشمل بعد التفريق ، ثم أفرد لنا ثلاثة أمكنة فضية متسعة مستحسنة ، منها مكان مشرف أنيق ، مشرف بشبابيك على الطريق ، فجزاه الله عنا الجزاء الحسن ، وأمدّه بوافر الجود وكامل المنن (بمنه وكرمه) [٥] آمين.
وقد كان هو اجتمع بي في دمشق مدّة مديدة ، وقرأ عليّ فيها كتبا عديدة ، وأعطيته نسخة بتأليفي المسمّى «بالدّر النضيد في أدب المفيد والمستفيد» ، وكتب بخطه تأليفي المسمّى «بالبرهان الناهض في نية استباحة الوطيء للحائض» ، وقرأ
[٢] سقطت هذه الكلمة من الأصل ومن (م). وباب المقام أحد أبواب مدينة حلب ، ويسمّى أيضا باب دمشق ، وقد بني في الفترة الأيوبية في زمن الملك الظاهر غازي. (معادن الذهب ٨١).
[٣] حسين بن حسن بن عمر البيري الحلبي الشافعي الصوفي (ت ٩٢٢ ه). انظر ترجمته في : الكواكب السائرة ١ : ١٨٤ ، شذرات الذهب ١٠ : ١٥٣.
[٤] أحمد بن حسين بن حسن البيريّ الصوفيّ (ت نحو ٩٦٣ ه). انظر ترجمته في : الكواكب السائرة ٢ : ١٠٤ ـ ، شذرات الذهب ١٠ : ٤٨٤ ـ ، إعلام النبلاء ٦ : ٣٢.