شمط ، مطرزا حلته بذكر بعض ما فتح الله تعالى به من منثور ومنظوم ، ومهمات لطيفة من غوامض العلوم ، وقد وسمته «بالمطالع البدريّة في المنازل الرّوميّة» [١] ، والله تعالى أسأل أن يجعله لوجهه الكريم خالصا ، وأن يظلنا بظله العميم حيث يكون الظل قالصا بمنه ويمنه ، [٢ ب] وفضله وطوله ، فأقول مستعينا بالله سبحانه ، ومؤملا فضله وغفرانه ، ومتوكلا في كل أحوالي [٢] عليه ، ومفوّضا جميع أموري إليه : إنني استخرت الله تعالى ـ وما خاب من استخاره [٣] ـ واستشرت كما أمرت من هو أهل للاستشارة ، في السفر إلى البلاد الرّوميّة قاصدا محل تخت الملك مدينة قسطنطينيّة [٤] لأمر اقتضى ذلك ، وألجأ إلى سلوك هذه المسالك في مدينة دمشق الشّام ، بعد فراق روحها سيّدي الوالد شيخ الإسلام ، حين نضب المعين ، وفقد المعين ، وخان الأمين ، ومان [٥] من لم نعهده ، يمين وقلّ الناصر ، وعزّ المواصر ، وخذل المؤازر ، وصدّت الإخوان ، وندت الخلّان ، وافتضح من ذلك الخطب اليسير ، من مدعي الصّحبة والأخوّة خلق كثير بحيث : [مجزوء البسيط]
لم يبق صاف ولا مصاف
ولا معين ولا معين
وفي المساوي بدا التساوي
فلا أمين ولا يمين
[١] ذكر نجل صاحب الرحلة أنّ هذه التسمية من ألطاف السيد عبد الرحيم بن أحمد بن بدر الدّين العباسيّ. انظر : الكواكب السائرة ٢ : ١٦٣.
[٤] القسطنطينيّة (إسلام بول إستانبول) : وهي في الأصل «بيزنطة» القديمة ، جعلها قسطنطين الأكبر عاصمة له بدلا من روما ، ولذلك كانت تسمى : «روما» الجديدة أو «تخت الروم» ، وفتحها العثمانيون سنة ٨٥٧ ه ، وقد عرفت بأسماء كثيرة منها : «إسلام بول» أي مدينة الإسلام ، الإسلام الكبير ، مدينة السلام ، ثم أصبحت هذه الكلمة فيما بعد إستانبول (اسطنبول) ، وعرفت أيضا باسم الاستانة ومعناها : «التكية الكبرى» ، ودار السعادة ، والدار العلية ، ودار الخلافة.
[٥] مان يمين مينا : كذب فهو مائن أي كاذب (لسان العرب ١٣ : ٤٢٦).