به الهواء ، وسفر له الدهر عن محياه ، وتبسّم له الزهر [٤٩ ب] وحيّاه ، وأحدقت به البساتين أحداق الهالة بالقمر ، والأكمام بالزهر ، وامتدت له بطحته الخضراء امتداد البصر ، وبالقرب من هذه المحلّة والمنزلة ، مقام خجا ناصر الدّين [١] المشهور عندهم بالولاية والوله ، وله عندهم حكايات مضحكة تدل على التغفّل والبله ، نظير ما يحكى عن مصحفة جحا ، وكلاهما من المغفّلين الصلحاء ، فأقمنا بها إلى وسط النهار ، ووقت الزوال والإظهار ، ثم أخذنا نجوب [٢] ونجول في وهاد وتلول ، ووعر [٣] وسهول ، وفياف وقفار ، وربيع وأزهار ، ولم نزل نسري ونسير ليلا ونهارا ، ونجدب بالنجب الفيافي أصالا وأسحارا ، وتغيب عنّا الشموس والأقمار فنتخذ من المشاعل والفوانيس شموسا وأقمارا ، إلى أن وصلنا إلى مدينة قرا حصار [٤] يوم الجمعة حادي عشر الشهر وقت الإبكار ، وقد نشر علم الشمس الأصفر ، وتخلّق الكون بردعها المعصفر ، وأشرق وجهها الأشقر في الآفاق وأسفر ، [٥٠ أ] وهي مدينة مستظرفة بين جبال مستلطفة ، وعلى جبل صغير عال في وسطها قلعة منيعة ، بديعة رفيعة [٥] ، أمينة حصينة ، علية مكينة ، سمية متينة ، سوداء الحجارة وبها [٦] تسمّت المدينة ، وعلى هذه المدينة بساتين كثيرة ومياه غزيرة ، وبظاهرها مرج أريج ، ذو نبت بهيج ، فسيح الرحاب ، رحب الجناب ، كثيرة الكلأ والعشب ، زائد الري والخصب ، يسافر
[١] ذكره الرحالة المشهور بكبريت عند مروره بآق شهر : «الخواجة ناصر الدين ، صاحب التفسير ، المتوفى سنة ٣٨٦ ه والعامة تزعم أنه جحا الذي يضرب أمثاله في الجد والهزل». (رحلة الشتاء والصيف ١٩١).
[٤] ذكر ياقوت أنّ قرا حصار اسم لأماكن كثيرة غالبها ببلاد الرّوم ، غير أن هذه التي نزل بها الغزيّ هي التي حددها القرمانيّ : بينها وبين القسطنطينيّة عشر مراحل ، يجلب منها البسط إلى البلاد. انظر : معجم البلدان ٤ : ٣١٥ وأخبار الدول ٣ : ٤٤٢.