responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرّحلة الحجازيّة المؤلف : الأمير شكيب أرسلان    الجزء : 1  صفحة : 138

ورأى نابليون أنّ عقلية الفرنسيس قد تراجعت إلى أصلها ، ففتح الكنائس ، وأعاد إلى العبادة كرامتها ، ورفع منار الدين الكاثوليكي ، وتتوّج إمبراطورا في كنيسة نوتردام في باريس ، ودعا البابا إلى حضور حفلة التتويج ، فجاء البابا بنفسه ، وكان يطوف بعربته في شوارع باريس ، والناس تخرّ أمامه جثيّا ، وهم هم الساجدون له الآن ، كانوا قبل ذلك بسنوات معدودات القوم الذين اتخذوا هواهم إلههم ، وأقفلوا الكنائس ، وأتوا بفتاة حسناء رعبوبة [١] ، فجلّوها على منصة رفيعة ، وخروا لها ساجدين.

فأنت ترى أنّ زعازع الإلحاد مصيرها غالبا إلى الركود ، وأنّ الدّين لن يبرح صاحب الكلمة العليا في الأرض ، ما دامت المادّة لا تقدر أن تبين عن ذات نفسها ، ولا أن تحدّث الإنسان بتاريخها ، وما دام الإنسان متشوّقا إلى جواب عن هذا الوجود ، لا يجده إلا في الإيمان بالغيب.

ولذلك أقول : إنّه مهما ترقّى الناس في العلوم والفنون لا يبرحون محتاجين إلى الديانة ، فازعين إلى الغيب ، وإنه لن تبرح أماكن العبادة ، وخصوصا مراكز انبعاث الأنبياء والرسل مثابا لأتباعهم ، يقصدونها من كلّ فجّ سحيق.

ومكة والمدينة وبيت المقدس ستبقى مقصدا للمؤمنين بمؤسسي الشرائع التي تأسست فيها ، ولو فرضنا أنّه اختلفت فيها مفاهيم السلائل البشرية الآتية عن السلائل الحاضرة.

وأقول : إنّ اختلاف هذه المفاهيم مهما تناهى فلا يتجاوز جوهر العقيدة الأصلي ، لأنّ جوهر العقيدة مبني على العقل البشري ، ولأنّه ليس للمرء مذهب وراء العقل البشري ، فهو أول الشرائع وآخرها ، وأقدمها وأحدثها.


[١] [بيضاء].

اسم الکتاب : الرّحلة الحجازيّة المؤلف : الأمير شكيب أرسلان    الجزء : 1  صفحة : 138
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست