فلما كان الغد يوم الجمعة زارنا وزير الأحباس العلامة الكامل الجامع الفاضل الفقيه السيد محمد بن عبد القادر بن موسى [١٨٧] المراكشي مولدا ، التطواني مقرا ، على عادته ، لأنه قلما يتخلف عنا يوما ، من يوم دخلنا تطوان ، وهو ممن أخذ الورد عن شيخنا الشيخ ماء العينين ، وله نظم رائق في سلسلة أشياخنا في الطريق القادرية يسردهم متصلين من عند شيخنا إلى رسول الله 6 ، وقد تذاكرنا معه في سائر الفنون ، فوجدناه بحرا لا ساحل له ، له مشاركة كبيرة في أكثر العلوم ، وله اليد الطولى في علم العربية ، وكان شاعرا مجيدا ، أنشدنا كثيرا من أشعاره ، منها ما هو في مدح المولى الخليفة سيدي حسن ، ومنها ما هو في الأدعية والحكم والفقه والمحاضرات ، إلى غير ذلك ، وله خبرة بعلوم الأسرار والخواص والتصوف ، وكان سنيا محافظا على أمور الشريعة مع ما أعطيه من علم الحقيقة ، وقد طلب مني في هذا اليوم أن أجيزه وأحلي إبريزه بأشعاري ومنظوماتي وتقاييدي وسائر مؤلفاتي ، فكتبت له ما نصه :
الحمد لله وحده ، صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ، حمدا لمن جازى بالحسنات وبدأ بالإحسان ، وجعل اللسان العربي أفضل لسان ، والسلامان على المبعوث به للقديم والحديث ، القائل ، «أحب [١٨٨] العرب لثلاث» إلى آخر الحديث ، وعلى آله وصحبه ، وتاليه من سائر [١٨٩] الأجناس ، المنزل فيهم ، «كنتم خير أمة
[١٨٧] ابن موسى : هو محمد بن عبد القادر بن موسى ، أصله من مراكش ، وهو من الأدباء الكلاسكيين المتميزن في المغرب في سنوات الثلاثين من هذا القرن ، تقلب في مناصب كثيرة بالمنطقة الخليفية ، آخرها وزارة الأحباس بتطوان التي استمر بها عشرين عاما. توفي سنة ١٩٦٥. خلف أشعارا كثيرة تم جمعها وإخراجها.
أنظر ترجمته في : الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية ، ص ، ٢٢٦.
[١٨٨] أحب : أحبوا ، في كتب الحديث ، مختصر المقاصد الحسنة حديث رقم ٢٩.