لموافقته على حمل الحجر إلى مواضع [١] البناء ، ويتولى ذلك بنفسه وبجماعة خواصه والأمراء ، يجتمع [٢] لذلك العلماء والقضاة والصوفية والأولياء [٣] وحواشي العسكر والأتباع وعوام الناس. فبنى في أقرب مدة ما يتعذر بناؤه في سنين.
وأرسل السلطان لصاحب الموصل يشكره على تجهيز الرجال لحفر الخندق بمكاتبة أنشأها العماد الكاتب ، رحمه الله تعالى.
ودخلت سنة ٥٨٨ ه [٤] والسلطان مقيم بالقدس في دار الأقساء بجوار قمامة لتقوية البلد وتشييد أسواره ، وجد في عمارة [٥] الصخرة المقدسة وأكمل السور والخندق ، وصار في غاية الإتقان ، واطمأن أهل الإسلام.
ذكر الحوادث مع الفرنج
رحل الفرنج يوم الثلاثاء ثالث المحرم من الرملة إلى بلد عسقلان ونزلوا بظاهرها يوم الأربعاء وتشاوروا في إعادة [٦] عمارتها ، وكان اثنان من الأمراء نازلين في بعض أعمالها.
فركب ملك الإنكثير عصر يوم الخميس فشاهد دخانا على البعد فساق متوجها إلى تلك الجهة ، فما شعر المسلمون إلا بالكبسة عليهم فلم ينزعجوا فإنه كان وقت المغرب وهم مجتمعون ، فلم ير العدو إلا أحد القسمين من المسلمين فقصده ، فعرف القسم الآخر هجوم العدو فركبوا إلى العدو فدفعوه حتى ركب رفقاؤهم المقصودون واجتمعوا وردوا العدو ، ثم تكاثر الفرنج وتواصلوا ووقعت الوقعة فلم يفقد من المسلمين إلا أربعة ونجا الباقون ، وكانت نوبة عظيمة ولكن الله سلم فيها.
وفي يوم الثلاثاء عاشر المحرم ركب السلطان على عادته في نقل الحجارة والعمارة ومعه الملوك وأولاده والأمراء والقضاة والعلماء والصوفية والزهاد والأولياء ، وخرج كل من بالبلد وهو قد حمل على سرجه والناس ينقلون معه ، ولما دخل الظهر نزل في خيمة بالصحراء ومد السماط ، ثم صلى الظهر وانصرف إلى منزله.