وجاء مماليكه بالأسرى ، وترك السلطان الأسلاب والخيول لآخذيها وكانت بأموال عظيمة ، وجلس السلطان في خيمته وحوله جنده وأنصاره ، وأحضر الأسرى بين يديه فأحسن [١] إليهم وأطعمهم وألبسهم ، وألبس المقدم الكبير فروته الخاصة ، وأذن لهم أن يسيروا غلمانهم لإحضار ما يريدون ، ثم جهزهم لدمشق [٢] للاعتقال.
ذكر غير ذلك من الحوادث
ثم هجم الشتاء فصرف السلطان العسكر للاستراحة إلى الربيع وأقام هو على الجهاد ، ثم نقل الفرنج سفنهم خوفا عليها إلى صور وأخلوا ساحل عكا. وأقام الملك العادل على البحر ووصل [٣] في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة من مصر سبعة مراكب فيها الغلة ، فخرج أهل البلد لمشاهدتها والمساعدة في نقلها.
فعلم الفرنج بخروج أهل البلد إلى جانب البحر فزحفوا زحفا شديدا وأحاطوا بعكا وأتوا بسلالم فنصبوها على السور وتزاحموا على الطلوع في سلم ، وتصادموا فاندق بهم السلم فتساقطوا ، فتداركهم المسلمون وفتكوا فيهم وقتلوا منهم جماعة وردوهم على أعقابهم. فلما اشتغل الناس بأمرهم تركوا المراكب وما فيها من الغلال فهاج البحر ، فكسرت المراكب وتلف ما فيها وغرق ما كان فيها من الأمتعة وهلك بها زهاء ستين نفسا فالحكم [٤] لله العلي الكبير.
وفي ليلة السبت سابع ذي الحجة وقعت قطعة عظيمة من سور عكا فهدمت منه جانبا. فبادر الفرنج طمعا في الهجوم فجاء أهل البلد وصدوهم حتى عمر الهدم ، وجرح من العدو خلق كثير [٥] كل ذلك بهمة بهاء الدين قراقوش.
وفي ثالث عشر ذي الحجة هلك ابن ملك الألمان فحصل الوهن في الفرنج بموته ، وهلك منهم عدد كثير.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر [٦] ذي الحجة عاد المستأمنون من الفرنج الذين أنهضهم السلطان ليغزوا في البحر ويكونوا جواسيس فرجعوا وقد غنموا أشياء كثيرة ، فوهبهم السلطان ذلك ولم يتعرض منهم إلى شيء [٧] ، فلما رأوا ذلك أسلم شطرهم.