صح الخبر أن ملك الألمان [٣] عبر من قسطنطينية بجنوده [٤] فقيل : إنهم أقاموا في قفار ومواضع مدة شهر لا يجدون الطعام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم ويشعلونها لعدم الحطب في البرد الشديد وزمان الثلج ، وحصل لهم من الشدة ما لا يكاد يوصف وضعف حالهم. وذلك من لطف الله تعالى [٥] بالمسلمين.
فلما وصل إلى بلاد قلج بن أرسلان بن مسعود [٦] حصل بينه وبين الكفار طراد فقتال ، ثم تراسلا واصطلحا وتهاديا واقتضى الحال بينهما أن ملك الألمان يدخل إلى البلاد الشامية وأنه يسير في بلاده ، وأعطاه عشرين مقدما من أكابر أمرائه ليكونوا معه حتى يصل المأمن [٧]. فلما وصل الملعون إلى بلاد الأرمن غدر بالرهائن [٨] وتأول عليهم بأن التركمان سرقوا منه في طريقه.
ونزل على طرسوس [٩]. وهناك نهر فتوارد [١٠] عليه العسكر وازدحموا ، فقصد ملك الألمان النزول إلى النهر ليغتسل فقال : هل تعرفون موضعا يمكن العبور منه؟ فقال له واحد : هنا مخاضة ضيقة لا يدخل فيها إلا واحد بعد واحد. فدخل في تلك المخاضة ، فقوي عليه الماء فصدمته شجرة في وجهه شجت جبينه ، وتورط في
[٢] ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ١٠٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٤ ؛ ابن كثير ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.
[٣] الملك فردريك بربوسة : امبراطور ألمانيا ابن الملك فردريك الثاني ملك سوابيا ودوق بافاريا ، آل إليه الحكم فيها سنة ٥٤٨ ه / ١١٥٢ م ، ينظر : رنسيمان ٣ / ٣٠.
[٦] هو قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان السلجوقي ، كان له من البلاد قونية وأعمالها ، وكانت مدة ملكه تسع وعشرين سنة ، وتوفي سنة ٥٨٨ ه / ١١٩٢ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٥.
[٩] طرسوس : مدينة بالشام حصينة ، عليها سوران بينهما خندق ، ويجري الماء حولها وهي مدينة كثيرة المتاجر ، والعمارة والخصب ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٣١ ؛ الحميري ٣٨٨.
[١٠] فتوارد عليه العسكر أ ه : فتواردت عليه العساكر ب : فتوارد عليه العساكر ج : فتواردوا عليه العساكر د.