القتال. واستمر الحرب بين الفريقين ، فانتقل السلطان يوم الجمعة لعشرين من رجب إلى جانب الشمال [١] ، وخيم هناك وضيق على الفرنج ونصب المجانيق [٢] ورمى بها حتى تهدم غالب السور ، ثم أخذ المسلمون في نقب السور مما يلي وادي جهنم ، واشتد القتال وتباشر أهل الإسلام بالفتح وكان يوما عسيرا على الكافرين غير يسير [٣] ، فبرز من الفرنج ابن بارزان ليطلب الأمان من السلطان فلم يجبه السلطان / / إلى ذلك ، وقال [٤] : لا آخذها إلا بالسيف مثل ما أخذها الفرنج من المسلمين.
فتعرضوا للتضرع وعاودوه في طلب الأمان وعرفوه ما هم عليه من الكثرة ، وأنهم إن أيسوا من الأمان قاتلوا خلاف ذلك ، ولا يجرح منهم واحد [٥] حتى يجرح عشرة ، ويخربوا الدور وقبة الصخرة ويقتلوا كل من عندهم من أسارى المسلمين ـ وهم ألوف ـ ويعدموا ما عندهم من الأموال وكذلك الذراري.
فعقد السلطان محضرا للمشورة وأحضر أكابر دولته وأكثر عساكره [٦] وشاورهم في الأمر ودار الكلام بينهم على الصلح بشرط أن يؤدي كل من بها من الرجال عشرة دنانير ومن النساء خمسة ، ويؤدي عن الطفل ديناران وأي من عجز عن الأداء كان أسيرا.
فأجاب الفرنج إلى ذلك ودخل ابن بارزان والبطرك ومقدم الداوية [٧] والاسبتارية في الضمان ، وبذل ابن بارزان ثلاثين ألف دينار عن الفقراء وسلموا البلد يوم الجمعة قبيل الظهر [٨] وقت الصلاة السابع والعشرين من رجب على هذا الشرط ، ولم تتفق صلاة الجمعة يومئذ لضيق الوقت ، وكان فيه أكثر من مائة ألف إنسان من الرجال والنساء والصبيان ، وأغلقت أبواب المدينة ورتب النواب لعرضهم واستخراج المال منهم ، ووكل بكل باب أمين ومقدم كبير يضبط من يدخل ويخرج فمن أدى ما عليه يمكن [٩] من الخروج ومن لم يؤد قعد في الحبس ، وحصل التفريط من العمال في المال وشرعوا يواطئون الفرنج في ذلك لارتشائهم منهم ، فمنهم من