وأرسل إلى قيصر ـ وهو هرقل ـ وكان إذ ذاك ببيت المقدس فإنه مشى من حمص [١] إلى إيلياء شكرا لما كشف الله عنه جنود فارس. وكان على الصخرة مزبلة قد حاذت محراب داود [٢] مما ألقته النصارى عليها مضارة لليهود ، حتى كانت المرأة تبعث بخرق حيضها من رومية فتلقى عليها. فلما قرأ قيصر كتاب رسول الله ، 6 ، قال : إنكم يا معشر الروم لحقيق [٣] أن تقتلوا ، على هذه المزبلة بما انتهكتم من حرمة هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ، 8 ، فأمر بكشفها ، فأخذوا في ذلك ، فقدم المسلمون الشام ولم يكشفوا منها إلا ثلثها.
فلما قدم عمر ، رضياللهعنه ، بيت المقدس وفتحه ورأى ما عليها من المزبلة ، أعظم ذلك ، فأمر بكشفها وسخر لها أنباط فلسطين [٤] ، وأكرم هرقل قاصد رسول الله ، 6 ، وهو دحية الكلبي [٥] ، ووضع كتاب النبي [٦] ، 6 ، على فخذه وقصد أن يسلم فمنعه بطارقته ، فخاف على نفسه واعتذر ورد دحية ردا جميلا.
وأرسل إلى المقوقس ـ صاحب مصر ـ فأكرم القاصد وقبل كتاب رسول الله ، 6 ، وأهدى إليه أربع جوار [٧] إحداهن مارية أم ولده إبراهيم ، وأهدى إليه بغلته دلدل وحماره يعفور وكسوة [٨]. وأرسل إلى النجاشي بالحبشة فقبل كتاب النبي ، 6 ، وآمن به واتبعه وأسلم [٩].
وأرسل إلى الحارث الغساني بدمشق. فلما قرأ الكتاب قال : ها أنا سائر إليه ، فلما بلغ رسول الله ، 6 ، قوله (١٠)(١١) قال : «باد ملكه» [١٢].
[١] حمص : مدينة في الشام قرب نهر العاصي جنوب حماة ومن آثارها الشهيرة جامع خالد بن الوليد ويعتقد أن القائد الفاتح توفي ودفن فيها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ؛ البكري ٢ / ٤٦٨ ؛ القزويني ١٨٤ ؛ التطيلي ١٢٠ ؛ شيخ الربوة ٢٦٩ ؛ الحميري ١٩٨.
[٥] دحية بن خليفة بن فردة بن نضالة ... الكلبي مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٧٣.