وقد انفصلت القضيّة بالقضاء المبرم ، الّذي لا ينفذ إليه استئناف ، ولا يرقى إليه طعن ، ولا تعلق بذيله غميصة [١].
تلك هي حال نهد فيما غبر ، أمّا الآن .. فلا أدري ما الخبر!! أفليس أولئك على هذا الصّنيع البديع أحقّ بقول البحتريّ [في «ديوانه» ٢ / ٣١٢ من الكامل] :
وإذا خطاب القوم في الخطب اعتلى
فصل القضيّة في ثلاثة أحرف
وقد ذكرنا في «العود الهنديّ» بعض حديث هدبة بن الخشرم ، وأنّه لمّا حمل إلى معاوية .. قال له : قل يا هدبة .. قال : أكلاما أم شعرا تريد؟ قال معاوية : بل شعرا ، فارتجل هدبة قصيدة يقول منها :
رمينا فرامينا فصادف رمينا
منايا رجال في كتاب وفي قدر
فقال له معاوية : أراك أقررت يا هدبة ... إلى آخر القصّة المناسبة لما نحن فيه ، بما جاءت به من وصف الأمر في الشّعر.
وقد اختصم حيّان من العرب في ماء من مياههم إلى والي المدينة من قبل يزيد بن عبد الملك ـ وهو عبد الرّحمن بن الضّحّاك الفهريّ ـ وكان مصاهرا لأحد الحيّين ، فبرك بين يديه شيخ من الحيّ الآخر وهو سنان بن الفحل الطّائيّ فقال [من الوافر] :
إلى الرّحمن ثمّ إلى أميري
تعسّفت المفاوز واشتكيت
رجالا طالبوني ثمّ لجّوا
ولو أنّي ظلمتهم انتهيت
رجوا في صهرهم أن يغلبوني
وبالرّحمن صدق ما ادّعيت
وقالوا قد جننت فقلت كلّا
وربّي ما جننت ولا انتشيت
ولكنّي ظلمت فكدت أبكي
من الظّلم المبيّن أو بكيت
فإنّ الماء ماء أبي وجدّي
وبئري ذو حفرت وذو طويت
وقد خرج بخضوعه عن عادة العرب من التّمدّح بالقسوة والجلادة ، وهي تعيّر