responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تحفة العالم في شرح خطبة المعالم المؤلف : السيّد جعفر بحر العلوم    الجزء : 1  صفحة : 149

فينزل العلم من الجهل منزلة الجنَّة من النار ، فكما أنَّ العقل والشهوة لا يرضيان بالنار فكذلك لا يرضيان بالجهل ، كما أنهما يرضيان بالجنَّة فكذا يرضيان بالعلم ، فمن رضي بالجهل فقد رضي بنار حاضرة ، ومن اشتغل بالعلم فقد خاض في جنَّة حاضرة ، فكلّ من اختار العلم يقال له : تعوَّدت المقام في الجنَّة فادخل الجنَّة ، ومن اكتفى بالجهل يقال له : تعوَّدت النار فادخل النار ، والَّذي يدل على أنَّ العلم جنَّة والجهل نار : أنَّ كمال اللَّذة في إدراك المحبوب ، وكمال الألم في البعد عن المحبوب ، والجراحة إنّما تؤلم لأنها تبعد جزءً من البدن عن جزء محبوب من تلك الأجزاء ، وهو الاجتماع فلمَّا اقتضت الجراحة إزالة ذلك الاجتماع ، فقد اقتضت إزالة المحبوب وبعده ، فلا جَرَمَ كان ذلك مؤلماً ، والإحراق بالنار إنّما كان أشد إيلاماً من الجرح ، لأنَّ الجرح لا يفيد إلّا تبعيد جزء معيَّن عن جزء معيَّن.

أمّا النار ، فإنّها تغوص في جميع الأجزاء فاقتضت تبعيد جميع الأجزاء بعضها عن بعض ، فلمَّا كانت التفريقات في الإحراق أشدّ كان هناك أصعب.

أمّا اللذة فهي عبارة عن إدراك المحبوب ، فلذة الأكل عبارة عن إدراك تلك الطعوم الموافقة للبدن ، وكذلك لذة النظر إنّما تحصل لأنّ القوَّة الباصرة مشتاقة إلى إدراك المرثيات ، فلا جرم كان ذلك لذّة لها ، فقد ظهر بهذا أنّ اللَّذة عبارة عن إدراك المحبوب ، والألم عبارة عن إدراك المكروه.

وإذا عرفت هذا فنقول [١] : كلَّما كان الإدراك أغوص وأشدّ ، والمدرك أشرف وأكمل ، والمدرك أتقن وأبقى ، وجب أن تكون اللَّذة أشرف وأكمل. ولا شك أنّ محلَّ العلم هو الروح وهو أشرف من البدن ، ولا شك أنّ الإدراك العقلي أغوص وأشرف. وأمّا المعلوم فلا شك أشرف ، لأنّه هو الله ربّ العالمين ، وجميع مخلوقاته


[١] القول هنا للشهيد الثاني ; والَّذي أشار إليه المؤلف ; ببعض المحققين.

اسم الکتاب : تحفة العالم في شرح خطبة المعالم المؤلف : السيّد جعفر بحر العلوم    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست