اسم الکتاب : سفينة النجاة و الكلمات الطريفة المؤلف : الفيض الكاشاني الجزء : 1 صفحة : 130
اتّفاقهم على ذلك، الّذين ترى أحدهم ينصب
نفسه قاضياً ضامناً لتلخيص ما التبس على غيره مع أنّ مقتداه الميّت غير ملي بإصدار
ما ورد عليه، و لا عاضّ[1] على العلم
بضِرس قاطع، فكيف بهذا المسكين المقتفي أثره؟! فما أبعدهم عن الحقّ! و ما أسحقهم
عن الإصابة!
و أعجب من ذلك أنّهم يشترطون الحياة فيمن يجوز تقليده و مع ذلك لا
يقلّدون إلّا الأموات، و يجحدون اجتهاد الأحياء و عدالتهم ما داموا أحياء منافسة و
حسداً حتّى إذا ماتوا صارت أقاويلهم معتبرة عندهم، و كتبهم معتمداً عليها لديهم
لزوال العلّة. أيتغافلون بعد موتهم عمّا عدّوه من عيوبهم، أم «يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ[2]» أم لا يميّزون بين الحقّ والباطل، والحالي والعاطل، لكَلال بصائرهم[3] واعتلال ضمايرهم؟! فيستوي عندهم
الصّدق و الزّور، و الظّلمات و النّور.
وليت شعري! أيّ مدخل في بطلان الفتيا، أو إصابة الآراء؟! وهل الحقّ
إلّا واحد، ومخالفه إلّا جاحد؟!
ثمّ، إنّ أقاويل الأموات- كما دريتَ- مختلفة غاية الاختلاف، و
فتاويهم في كتبهم متناقضة كمال التَّناقض، بل الكتاب الواحد لمجتهد واحد في مسألة
واحدة مختلف في الفتوى بحسب أبوابه و مباحثه، و هذه الاختلافاف تزايد[4] يوماً فيوماً إلى ما شاء اللَّه
عزّوجلّ انقراضها.
و المقلّدة و إن كانوا يقولون في الأكثر على القول الأشهر، إلّا أنّ
هذه الشّهرة
[1] - عَضَّه: أمسكه بأسنانه، يقال ايضاً:« عضّ به و
عضّ عليه»؛ عضّ الشّيء: لزمه واستمسك.