اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 474
الباب الحادى و الستون فى ذكر الحروب و
تدبيرها و حيلها و أحكامها
من حزم الملك: أن لا يحقّر عدوه و إن كان ذليلا، و لا يغفل عنه و إن
كان حقيرا، فكم من برغوث أسهر فيلا، و منع الرقاد ملكا جليلا.
و قال الشاعر:
فلا
تحقرنّ عدوّا رماك
و
إن كان فى ساعديه قصر
فإنّ
السيوف تحزّ الرّقاب
و
تعجز عمّا تنال الإبر
و فى الأمثال: لا تحقرن الذليل، فربما شرق بالذباب العزيز.
و مثل العدو مثل النار، إن تداركت أولها سهل إطفاؤها، و إن تركت حتى
استحكم ضرامها[1]، صعب
مرامها، و تضاعفت بليّتها.
و مثله أيضا: مثل الجرح الردىء، إن تداركته سهل برؤه، و إن أغفلته
حتى نغل[2]، عظمت
بليّته، و أعيا الأطباء برؤه.
و اعلموا: أن الناس قد وضعوا فى تدبير الحروب كتبا، و رتّبوا فيها
ترتيبا، فلا يسع أهل سائر الأقاليم حملها، إذ لكل أمة فى الغالب نوع من التدبير، و
صنف من الحيلة، و ضرب من المكيدة، و جنس من اللقاء، و الكرّ و الفر و تعبية
المراكب، و حمل بعضهم على بعض.
و لكن نصف منه أشياء تجرى مجرى المعاقد[3]،
لا تكاد تختلف فى إنهاء أزمة الحروب:
و نبدأ أولا: بما ذكره الله تعالى فى القرآن قال الله تعالى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ
رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60] فقوله مَا اسْتَطَعْتُمْ مشتمل على كل ما فى مقدور البشر من العدّة، و الآلة، و الحيلة.