اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 466
الأرض، فإذا طائر قد التقطها لوقتها و برئ
الرجل، فسبحان من جعل أنف هذا الرجل حرزا لقوت هذا الطائر على بعد الشّقّة و
المسافة.
و أما أنا: فلما هممت بالرحيل من بلدى[1]
إلى المشرق فى طلب العلم، كنت لا أعرف التجارة، و لا لي حرفة أرجع إليها، فجزعت من
الخروج، و كنت أقول: إن ذهبت نفقتى ما ذا أفعل؟ و كان أقوى الآمال فى نفسى، أن
أحفظ البساتين بالأجرة و أدرس العلم بالليل، ثم استخرت الله تعالى و رحلت، و كانت
معى نفقة وافرة فى هميان[2] على
وسطى، و كنت أسمع المسافرين يقولون: (من نام بالليل فى الفيافى، و له نفقة على
وسطه فليحلها، فإن اللصوص إذا كابرت[3]
الخلق يبتدرون أوساطهم) فخرجت من بلاد السويدية[4]
إلى أنطاكية[5] و هى إذ
ذاك حرب للروم- فسرينا ليلتنا و أصبحنا على باب أنطاكية، فأخذتنى عينى، و حللت
الهميان و نمت، و لم استيقظ إلا ضحوة النهار، فاستيقظت و مددت يدى إلى الهميان فلم
أجده، فجعلت أنظر إلى القافلة، و التفت إلى الناس- و قد أسقط فى يدى- و لم يبق لى
حيلة، فاسترجعت[6]، و رفعت
أمرى إلى الله سبحانه و تعالى، و إذا رجل من أهل القافلة ملتفتا إلىّ، فوقع وجهى
فى وجهه، فإذا هو يضحك لما رأى ما بى، فقال: مالك أيها الفقيه؟ قلت: خير، فراجعنى،
فقلت: خير، فقام إلىّ و قال: خذ هميانك- عافاك الله-، فسألته: كيف ظفرت به؟ فقال:
رأيتك[7] قد
تدحرجت ذراعين أو ثلاثة، و التفت فرأيت سوادا فى الموضع الذى كنت فيه نائما، فسرت
إليه و أخذته، فإذا هو الهميان، رحمة الله عليه و رضوانه لديه.
[1] - بلد الطرطوشى: هى طرطوشة شرقى الأندلس( انظر
ترجمة المؤلف).
[2] - الهميان: كيس تجعل فيه النقود أو النفقة و يشد
على الوسط.
[4] - بلاد السويدية: بلدة فى شمال سوريا( لواء
الإسكندرية) قرب مصب نهر العاصى على المتوسط، كانت ترسو فيها مراكب الإفرنج و
يرفعون منها أمتعتهم على الدواب إلى أنطاكية( معجم البلدان 1/ 268).
[5] - أنطاكية: مدينة على نهر العاصى قرب مصبّه فى
البحر المتوسط، من المدن الكبرى فى العالم القديم( معجم البلدان 1/ 345).
[6] - الاسترجاع: قول:« إنّا لله و إنا إليه راجعون».