اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 352
و من السّير المروية فى هذا الباب: انه لما
فتحت العراق، جيء بالمال إلى عمر، فقال صاحب بيت المال: أدخله بيت المال؟ فقال:
لا و رب الكعبة، لا يؤوي تحت سقف بيت حتى نقسّمه، فغطّي في المسجد بالأنطاع[1]، و حرسه رجال من المهاجرين و
الأنصار، فلما أصبح نظر إلى الذهب و الفضة و الياقوت و الزبرجد و الدرّ[2] يتلألأ، فبكى، فقال له العباس أو
عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، و الله ما هذا بيوم بكاء، و لكنه يوم شكر و
سرور، فقال: إنى و الله ما ذهبت حيث ذهبت، و لكنه و الله ما كثر هذا فى قوم إلا
وقع بأسهم بينهم، ثم أقبل على القبلة و رفع يديه، و قال: اللهم إنى أعوذ بك أن
أكون مستدرجا فإنى أسمعك تقول: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ
حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ[3]
[الأعراف: 182]، [القلم: 44] ثم قال: أين سراقة بن جعشم[4]؟
فأتى به أشعر الذراعين دقيقهما، فأعطاه سواري كسرى، و قال: البسهما، ففعل، فقال:
قل (الله أكبر) قال: (الله أكبر)، قال: قل (الحمد لله الذى سلبهما كسرى، و ألبسهما
سراقة بن جعشم، أعرابيا من بنى مدلج)، ثم قبّلهما و قال: إن الذى أدى هذا لأمين،
فقال له رجل: أنا أخبرك، أنت أمين الله تعالى، و هم يؤدون إليك ما أديت لله تعالى،
فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت، و إنما ألبسهما سراقة (لأن النبي صلى اللّه عليه و
سلم قال لسراقة- و نظر إلى ذراعيه- كأنى بك قد لبست سواري كسرى)[5]
و لم يجعل له إلا السوارين.
و لما ولى أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- جاءه مال من العمّال، فصبّ
فى المسجد، و أمر فنادى من كان له عند رسول الله صلى اللّه عليه و سلم، دين أو عدة[6]، فليحضر، قال أبو أيوب الأنصارى:
فجئته، فقلت: يا خليفة رسول الله إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لي: لو قد
جاءني مال، أعطيتك هكذا و هكذا- و أشار بكفيه-
[2] - الياقوت- الزبرجد- الدرّ و الذهب و الفضة: كلها
أنواع من الجواهر.
[3] - و معنى سنستدرجهم: أى سنقربهم و ندنيهم من الهلاك
و ذلك بالإمهال و الإنعام.
[4] - سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى: من بنى مدلج،
صحابى، كان فى الجاهلية مشهورا بالقيافة أى اقتصاص الأثر، حيث خرج إثر رسول الله
صلى اللّه عليه و سلم حين هاجر إلى المدينة و أسلم بعد غزوة الطائف سنة 8 ه و توفى
سنة 24 ه.( الأعلام 3/ 80).
[5] - رواه ابن كثير فى البداية و النهاية نقلا عن
الإمام الشافعى ج 6/ ص 194.
[6] - روى البخارى و مسلم و الإمام أحمد حديثا صحيحا عن
جابر بن عبد الله بهذا المعنى فقال: أن رسول صلى اللّه عليه و سلم قال له:« لو قد
جاء مال البحرين أعطيك هكذا و هكذا ..» إلى نهاية الحديث. و معنى: عدة أى وعد.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 352