اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 217
الباب الخامس و العشرون في الجلساء و
آدابهم
قال اللّه تعالى: الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67]، و قال سبحانه: يا وَيْلَتى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا\* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [الفرقان: 28 و 29]، و ينبغي للملك أن يجالس أهل العقل و الأدب، و
ذوي الرأي و الحسب، و ذوي التجارب و العبر، فمجالسة العقلاء لقاح العقل و مادّته.
و لذلك حمدت آراء الشيوخ، فقال القدماء: المشايخ أشجار الوقار، و
ينابيع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، و لا يسقط لهم وهم. و قالوا: عليك بآراء
المشايخ، فإنهم إن فقدوا ذكاء الطّبع، فقد مرت على عيونهم وجوه العبر، و تصدت
لأسماعهم آثار الغير. و قالوا: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام.
و قال عبد الملك[1] لجلسائه:
جنّبوني ثلاثا: لا تطروني، فإني أعرف بنفسي منكم، و لا تكذبوني، فإنه لا رأي
لكذوب، و لا تغتابوا عندي أحدا، فيفسد قلبي عليكم.
و قال بعض الحكماء: كفى بالتجارب تأديبا، و بتقلّب الأيام عظة.
و قالوا: التجربة مرآة العقل، و الغرّة[2]
ثمرة الجهل.
و قد قال هرم بن قطبة[3]- و هو أحد
حكماء العرب- حين تنافر[4] إليه
[1] - عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان، الخليفة
الأموي الخامس و قد سبقت ترجمته.
[3] - هرم بن قطبة: بن سيار الفزاري، من قضاة العرب في
الجاهلية، اسلم في عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان من الخطباء البلغاء و
الحكام الرؤساء و قد عاصر هرم بن سنان المشهور بجوده، و قد مات سنة 13 ه أما هرم
بن سنان فقد مات سنة 15 ه.( الأعلام 8/ 83).