اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 15
و لما بلغ الخامسة و العشرين من عمره، أخذ
يجوب البلاد بين طالب للعلم و معلم له، ففي حوالي سنة ست و سبعين و أربعمائة
للهجرة، بدأ الطرطوشي رحلته خارج بلاده الأندلس، فكانت أولى محطاته مكة المكرمة،
حيث أدى فريضة الحج.
ثم استأنف رحلته نحو العراق، فدخل بغداد عاصمة الثقافة و مهد الحضارة
و مركز الفنون و الآداب، محط رحال العلماء و الأدباء و الشعراء و الحكماء.
و هناك أقبل الطرطوشي على علمائها، حيث تفقه على أبي أحمد الجرجاني،
و أبي سعيد المتولي، و أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي (المعروف بالمستظهري من أئمة
الشافعية)، و سمع من قاضيها أبي عبد اللّه الدامغاني، و أبي محمد رزق اللّه
التميمي الحنبلي، و أبي عبد اللّه الحميدي، كما ذهب إلى البصرة و سمع (سنن أبي
داود) من أبي علي محمد بن أحمد التستري و أخذها عنه.
ثم نزل الشام و تنقل بين بلداتها يشتغل بالتدريس، و نزل بيت المقدس،
و في هذه الفترة كانت قد تشكلت شخصيته و بعد صيته، و أقبل الناس عليه ينهلون من
علمه، و نورد فيما يلي بعض أقوال المؤرخين و العلماء فيه: قال عنه ابن بشكوال و
ابن خلكان[1]: (كان إماما
عالما، زاهدا ورعا، ديّنا متواضعا، متقشفا متقلّلا من الدنيا، راضيا باليسير.
أخبرنا عنه القاضي أبو بكر ابن العربي، فوصفه بالعلم و الفضل و الزهد و الإقبال
على ما يعنيه، و قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا و أمر أخرى، فبادر بأمر الأخرى يحصل
لك أمر الدنيا و الأخرى و كان كثيرا ما ينشد:
إنّ
لله عبادا فطنا
طلّقوا
الدنيا و خافوا الفتنا
فكّروا
فيها فلمّا علموا
أنّها
ليست لحي وطنا
جعلوها
لجّة و اتخذوا
صالح
الأعمال فيها سفنا
و زاد ابن خلكان قال: و قال الطرطوشي: كنت ليلة نائما في بيت المقدس،
فبينما أنا في جنح الليل، إذ سمعت صوتا حزينا ينشد:
[1] - الصلة لابن بشكوال ج 2 ص 575 و وفيات الأعيان ج 4
ص 262.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 15