اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 33
قال اللّه تعالى في الحديث القدسيّ: «سبقت
رحمتي غضبي»[1]، و قال
اللّه تعالى لنبيّه:
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) [الأنبياء: الآية 107]، و قال اللّه تعالى:
... قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ [المائدة: الآية 15]، و قال اللّه تعالى في الحديث القدسيّ: «لولاك
لولاك لما خلقت الأفلاك»[2].
الفصل العاشر في بيان الحجب الظّلمانية و النورانيّة
قال اللّه تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ
أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا
(72) [الإسراء: الآية 72]، و المراد منه عمى القلب كما قال اللّه تعالى: ... فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحجّ: الآية 46].
و سبب إعماه ظلمات الحجب و الغفلة و النسيان بسبب بعد العهد من ربّه.
و سبب الغفلة: الجهل من حقيقة الأمر الإلهي.
و سبب الجهل: استيلاء الصّفات الظّلمانيّة عليه كالكبر و الحقد و
الحسد و البخل و العجب و الغيبة و النّميمة و الكذب و نحو ذلك من الذّمائم. و سبب
تنزّله إلى أسفل السّافلين هذه الصّفات.
و إزالة هذه الصّفات الذّمائم بتصقيل مرآة القلب بمصقل التّوحيد و
بالعلم و العمل و المجاهدة القويّة باطنا و ظاهرا؛ فتحصل حياة القلب بنور الأسماء
و الصّفات فيذكر وطنه الأصليّ فيشتاق إليه فيرجع و يصل بعناية الرّحمن.
و بعد ارتفاع هذه الحجب الظّلمانيّة تبقى النّورانيّة، و يصير بصيرا
ببصيرة الرّوح، و منوّرا بنور الأسماء و الصّفات حتّى ترتفع الحجب النّورانيّة
تدريجا؛ فينوّر بنور الذّات.
و اعلم أنّ للقلب في الباطن عينين: عين الصّغرى، و عين الكبرى.
فعين الصّغرى: تشاهد تجلّيات الصّفات بنور الأسماء و الصّفات إلى
انتهاء عالم الدّرجات.