اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل الجزء : 1 صفحة : 66
الجهات. فاذن لا سبيل الى ادراكه الا بشيء
ليس بجسم، و لا هو قوة في جسم، و لا تعلق له بوجه من الوجوه بالاجسام؛ و لا هو
داخل فيها، و لا خارج عنها، و لا متصل بها، و لا منفصل عنها. و قد كان تبين له انه
ادركه بذاته، و رسخت المعرفة به عنده. فتبين له بذلك ان ذاته التي ادركه بها امر
غير جسماني، لا يحوز عليه شيء من صفات الاجسام. و ان كل ما يدركه من ظاهر ذاته من
الجسميات، فانها ليست حقيقة ذاته؛ و انما حقيقة ذاته ذلك الشيء الذي ادرك به
الموجود المطلق الواجب الوجود.
مصير النفس: مصيرها لا يتبع مصير الجسم. هذا من براهين ابن سينا
على روحانية النفس
فلما علم ان ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها بحواسه، و يحيط بها
اديمه، هان عنده بالجملة جسمه؛ و جعل يتفكر في تلك الذات الشريفة التي ادرك بها
ذلك الموجود الشريف الواجب الوجود. و نظر في ذاته تلك الشريفة؛ هل يمكن ان تبيد او
تفسد و تضمحل، او هي دائمة البقاء؟
معنى الفساد
فرأى ان الفساد و الاضمحلال انما هو من صفات الاجسام، بان تخلع صورة
و تلبس اخرى، مثل الماء اذا صار هواء، و الهواء اذا صار ماء؛ و النبات اذا صار
ترابا او رمادا، و التراب اذا صار نباتا. فهذا هو معنى الفساد.
و اما الشيء الذي ليس بجسم، و لا يحتاج في قوامه الى الجسم، و هو
منزه بالجملة عن الجسميات، فلا يتصور فساده البتة.
يميز بين القوى التي تدرك بالقوة، و القوى التي تدرك بالفعل
فلما ثبت له ان ذاته الحقيقية لا يمكن فسادها، اراد ان يعلم كيف يكون
حالها اذا طرحت البدن، و تخلت عنه. و قد كان تبين له انها لا تطرحه الا اذا لم
يصلح آلة لها. فتصفح جميع القوى المدركة: فرأى ان كل واحدة منها، تارة تكون مدركة
بالقوة، و تارة تكون مدركة بالفعل، مثل العين في حال تغميضها او اعراضها عن
المبصر،
اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل الجزء : 1 صفحة : 66