اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 53
و قال: (مجاورة الرّحمن في داره بغية العالمين،
و حبس العارفين).
أقول: المراد بالدار الجنّة، و البغية المطلوب؛ أي لا يرضى العارف
بالبغية و المجاورة، بل بالشهود و المحاورة، و العالم يطلب ما هو منه يهرب، من
المجاورة في الجنّة بغير شهود، و المراد بالعالم هنا المؤمن العامل بعلمه.
و قال: (إنّ الدارين حبس الجبّار).
أقول: أراد بالدارين الدنيا و الآخرة، و الجبّار اسم من أسماء اللّه
عزّ و جلّ، معناه الذي يجبر الأشياء على وفق إرادته، و إنّما جعل الدارين حبسه؛
لأنّ كلّ من جبره على الشغل بالدنيا و الآخرة محجوب عن مشاهدة حبسه في حبس الحجاب،
فالدنيا حبس بالنسبة إلى المؤمن و العارف، و الآخرة حبس بالنسبة إلى العارف دون
المؤمن، فإنّها مطلوبه؛ كما أن «أنّ الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر»[1].
و قال: (جعل اللّه عزّ و جلّ الدّنيا على إشارة البعد في حقيقة
القرب، و جعل الآخرة على إشارة القرب في حقيقة البعد).
أقول: أي، جعل اللّه سبحانه الدنيا على صفتين متناقضتين، و هما البعد
و القرب، و كذلك الآخرة، إلّا أنّ الدنيا جعلها على إشارة البعد في حقيقة القرب.
و المعنى: أنّ اللّه سبحانه جعل حقيقة الدنيا قريبة بالصورة، و لفظ
الدنيا موضوع لها، بعيدة بالمعنى؛ لأنّها ماضية و الماضي بعيد، و جعل حقيقة الآخرة
بعيدة بالصورة، كما ينبىء لفظها عن ذلك، قريبة بالمعنى؛ لأنّها آتية و كلّ ما هو
آت قريب؛ لأنّه معدوم يشار إليه بأنّه يوجد البتّة، و الماضي معدوم مشار إليه
بأنّه لا يوجد أبدا.
قال: (الدّنيا قنطرة الآخرة).
أقول: معناه أنّ الدنيا دار ممرّ إلى دار الآخرة، لا دار مقرّ.