بخلاف بلوى الاختبار، فإنّها لا تختصّ بالمكاره، بل تعمّ المكاره و
المحاب كما قال تعالى: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ
السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: الآية
168]، و قال سبحانه: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ
الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ
[الأنبياء: الآية 35]، و بلاء أيّوب 7، و من يماثله، من بلاء
الاستحقاق.
الثالث: بلوى العقوبة، و تلك للخذلان، و الحرمان، و نقص الإيمان؛
كبلاء إبليس بالعصيان؛ لخذلانه، و حرمانه من الرحمة، و بلاء بلعام[1] بالمخالفة و العصيان لنقص الإيمان،
و انسلاخه عن آيات الحقّ.
الرابع: بلوى الرفعة، و تلك لأن ينال العبد بها درجة فوق درجة، و
رفعة بعد رفعة، كالبلاء الموكّل بالأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، كابتلاء إبراهيم
7 بمحاجّة نمرود، و معاندة عبدة الأصنام، و رميه إلى النار، و غيرها من
الكلمات اللّواتي نال بإتمامهنّ درجة الإمامة في قوله تعالى:
وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة: الآية 124]، آتاه
درجة الإمامة بعد إتمام بلائه.
و كابتلاء داود 7 بمحاكمة الخصماء، و غيرها؛ لينال ما نال
من درجة الخلافة في قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا
جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص: الآية 26]، و كابتلاء
أيّوب و غيره من الأنبياء و الأولياء عليهم السّلام.
الخامس: بلوى التحقيق، و تلك يتحقّق بها صدق المدّعين و كذبهم؛
كابتلاء الحلّاج- ;- بالصلب؛ ليتحقّق صدقه في دعواه (أنا الحقّ)، حيث لم
ينصره، و بلاء المنافقين بإيجاب تقديم الصدقة؛ لمناجاة الرسول صلى اللّه عليه و
آله و سلم
[1] - بلعام بن باعوراء بعثه موسى 7 إلى ملك
مدين يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ، و كان مجاب الدعوة يعلم اسم اللّه الأعظم، نزل
فيه قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ
آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها[ الأعراف: الآية 175]. انظر قصته في كتاب الزهد
لابن حنبل، زهد محمد بن سيرين[ 1/ 321]؛ و تفسير ابن كثير، سورة المائدة[ 2/ 41]؛
و وردت قصته في غيرهما.
اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 103