ببناء صيغته للمجهول، و التصريح بإسناد عديله[1] إليه- عزّ سلطانه- تشييد
لمعالم العفو و الرحمة، و تأكيد لمعاهد الجود و الكرم؛ فكأنّ الغضب صادر عن غيره-
عزّ و علا- و إلّا فالظاهر «غير الذين غضبت عليهم».
و على هذا
النمط من التصريح بالوعد و التعريض بالوعيد، جرى قوله- تعالى شأنه-: لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ[2]؛ حيث لم يقل:
«لأعذّبنّكم».
و أغلب الآيات
المتضمّنة لذكر العفو و العقاب مؤذنة بترجيح جانب العفو إيذانا ظاهرا، كما في قوله
تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ كانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَحِيماً[3]؛ فإنّ ظاهر
المقابلة يقتضي: «و كان الله غفورا معذّبا أو منتقما» و نحو ذلك، فعدل- سبحانه-
عنه إلى تكرير الرحمة؛ ترجيحا لجانبها، و كما في قوله- عزّ سلطانه-: غافِرِ
الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ[4]؛ حيث وحّد- جلّ و علا-
صفة العقاب، و جعلها مغمورة بالمتعدّد من صفات الرحمة، إلى غير ذلك من الآيات
البيّنات.
و الضلال:
العدول عن الطريق السويّ- عمدا أو خطأ- و له عرض عريض، و يكفي فى التنبيه على
تشعّب طرقه، و تكثّرها قوله 6: «ستفرّق أمّتي ثلاثا و
سبعين فرقة، فرقة ناجية و الباقون في النار»[5].
و أيضا
فالمستقيم من الواصلة بين النقطتين واحد، و أمّا المعوجّات فلا حدّ لها.
[5].« الخصال» ج 2، ص 585، أبواب السبعين و مافوقه، ح
11؛« وسائل الشيعة» ج 27، ص 49، ح 33180، كتاب القضاء، الباب 6، ح 30. و فيه: قال
رسول الله 6:« ستفترق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة،
فرقة منها ناجية، و الباقون هالكون ...». نقلا عن كفاية الأثر، ص 155.
و
في الخصال:« ... و إنّ أمّتى ستفرق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية،
و اثنتان و سبعون في النار».