رأس النخلة صعدوا اليهم
فرموا بأنفسهم الى الماء و بقى منهم عباة صغيرة قصيرة ليس على صنعة الناس بل
صنعتها على نمط غريب.
و اعلم ان
جماعة منهم و هو نوع من الغول الجاني يسكن بلادنا الجزائر في الشطوط و المياه و
يسمونه طنطلا بلغتهم و هو اسود البدن طوله كطول النخلة اجعد الشعر اقدامه كحافر
الفيل، و قد شاهده بعض ثقاة اخواننا في شط الفرات، و من خواصه انه يأتي الى
الانسان اذا تفرد به فيركبه، و ربما اضر بذلك الشخص ركوبه و يخاف من الجري خوفا
كثيرا و ذلك انهم عرفوه بهذه الصفة، فاذا اصطادوا السمك صادوا جرية و حفظوها معهم
حتى اذا جاء اليهم ذلك الغول، و اراد الاضرار بهم اخرجوا اليه تلك الجرية و ضربوه
بها حتى يرمي بنفسه الى الماء فلا يرونه بعد هذا، و الجن و الشياطين يسكنون الهوى
و المياه و كذا بعض الملائكة و من ثم كره تطميح البول في الهواء و كذا كره البول
في الماء و دخول الانهار و المياه بغير ازار استحياء من ساكنيها و لئلا يؤذيهم
فيؤذونه.
و اما اكل
الجانّ فهو العظام و ما شابهه اما بالاكل حقيقة و اما انهم يشمونها فيشبعون و
كلاهما قد روى في الاخبار، و من ثم كره انتهاك العظام و هو المبالغة في اخذ ما
عليها من اللحم، و قال 7 انها طعام من الجن (الجان) فاذا انتهكت العظم
اخذوا من طعامك ما قابله، و الجمع بين الخبرين إمّا بتعدد انواعهم بان يكون منهم
من يشمّ العظام و منهم من يأكلها و اما بالقول بأن العظام طعامهم تارة يأكلونها، و
تارة أخرى يشمونها و تكون غذاء لهم على التقديرين، و الحق ان هذا طعامهم المعتاد و
الا فهم يأكلون من طعامنا ايضا فأنه قد شوهد متواترا ان الناس يصنعون طعاما خاصا
لهم في بعض الاوقات و يضعونه في مكان خاص بالقرب منهم و لعلهم يشاهدونه في بعض
الاحوال، و تأكله الجان و في الروايات عن الطاهرين عليهم السّلام ان الطعام اذا
حضر بين ايدي الجماعة حفته ملائكة و شياطين، فاذا ذكروا اسم اللّه قبل الاكل او
ذكره واحد منهم اقبل الملائكة على الشياطين فطردوهم، و ان لم يذكروا اسم اللّه على
الطعام قربت الجن و الشياطين فأكلوا معهم، و من هنا ترى الطعام يؤكل سريعا و لم
يشبع القوم، و يقال ليس لهذا الطعام بركة و سيأتي تمام هذا البحث في آداب الاكل ان
شاء اللّه تعالى، و اما طعام دوابهم فقد روى انه الروث، و هو ايضا إما بالاكل او
بالشمّ، و قد عرفت ان من جملة ما في الهوى البحر المكفوف بقدرته سبحانه، و فيه
انواع المخلوقات و ما يعلم خلق ربك الا هو هذا مجمل ما في العالم العلوي و أتت
نوبة العالم السفلي.