الباري سبحانه اذ لو
صاروا اليه لما وسعهم القول بهذه المزخرفات لانه سبحانه قد ضمن ارزاق مخلوقاته في
كل احوالها جزئية و كليّة و ايصال الرزق في كل الاحوال فرع على العلم فيها كما لا
يخفى.
و في الرواية
ان موسى 7 قال يوما يا رب اريد ان اطلع على رزاقك للعباد، فقال له اذا
كان غدا فأمض الى ساحل البحر و انظر ما ترى، فلما كان من الغد أقبل الى الساحل
فرأى حيوانا صغيرا يعدو من البر و في فمه طعمة، فأقبل حتى وصل الى جرف البحر فطلعت
ضفدع من البحر و أخذت تلك الطعمة من فيه فغاصت تحت الماء، فقال اللّه تعالى لموسى
7 إضرب البحر حتى يصير لك في طريق و اتبع الضفدع فتبعها في بطن البحر و
هي تسعى حتى بلغت بطن البحر و اذا فيه صخرة سوداء مربعة و فيها ثقب فخرجت نملة من
ذلك الثقب و أخذت الطعمة من فم الضفدع و دخلت، فأمر موسى بفلق الصخرة فلما فلقها
نصفين رأى في بطنها دودة عمياء و رأى تلك الطعمة في فم تلك الدودة تأكل منها، فقال
موسى سبحانك عجبا لمن عرفك كيف يهتم لرزقه.
و حكى في بعض
السير و التواريخ ان ملكا من الملوك كان جالسا يتغذّى و فوق طعامه دجاجة مطبوخة
فلم يشعر الا و قد انكبت عليه حداة من الهوى فأخذت تلك الدجاجة من فوق فغضب لهذا و
ركب فرسه مع جماعة من عسكره فطلب الحداة حتى امعنوا في طلبها، فوصلت الى جبل عال و
مضت الى خلف الجبل فنزلوا عن خيولهم و رقّوا ذلك الجبل فلما صعدوا الى قلّته و
نظروا الى خلف الجبل رأوا تلك الحداة قد أتت و نزلت على رجل مضروبة بالاوتاد يداه
و رجلاه و ملقى على قفاه، فقربت اليه الحداة و جعلت تقطع لحم تلك الدجاجة بمنقارها
و مخاليبها و تضعه في فم ذلك الرجل حتى يأكله، فلما فرغت من هذا طارت الى عين
الماء في ذلك الجبل و حملت اليه ماءا في حوصلتها و أتت اليه و سقته اياه ثم طارت
فأتى اليه ذلك السلطان مع اصحابه و حلّوا اوتاده و اجلسوه و سألوه عن قصته فقال
اني تاجر و قد قطع اللصوص عليّ هذا الطريق فأخذو مالي و اتفقوا على ان يحبسوني فوق
هذا الجبل بهذه الاوتاد، فلما مضوا عني و بقيت يوما على هذه الحال أتت الىّ هذه
الحداة مع طعمة و ماء و صارت تتعاهدني في كل يوم مرتين كما شاهدتم، فلما رأى
السلطان كيف يوصل اللّه سبحانه روقه الى عباده قال لعن من يهتّم للرزق فترك الملك
و اشتغل بالعبادة حتى مات، و من هذا النحو كثير لا نطول بذكره الكتاب و لنرجع الى
ما نحن بصدده فنقول.
قد ذهب
الاشاعرة و هم اكثر المخالفين الى ان عمله سبحانه بالاشياء في الازل على لوقوعها
في الابد، فكل ما يقع في هذا العالم من الفسوق و المعاصي فهو مستند و معلول لذلك
العلم القديم، و حتى ان بعضهم ربما لاط او زنى و لما عنّف اجاب بان اللّه سبحانه
قد علم مني