و التقوى، و هذا في
غاية البعد بل حمل هذه الاخبار خصوصا الخبر الاول على مثل هذا غير محتمل بوجه من
الوجوه، و ان احتمله بعض اخبار هذا الباب.
و رابعها و هو
المشهور في تأويل هذه الاخبار و ما ضاهاها مما ظاهره الجبر و نفي الاختيار الوارد
في كل الاخبار من انه منمزّل على العلم الالهي، فانه سبحانه قد علم الاشياء قبل
وجودها كعلمه بها بعد وجودها، و قد علم في الازل احوال الخلق في الابد و ما يأتونه
و ما يذرونه بالاختيار منهم، فلما علم منهم هذه الاحوال و انها تقع باختيارهم
عاملهم هذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة المنتنة، و الاحوال السابقة روى
الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابن ابي عمير، قال سألت ابا الحسن موسى بن جعفر
عليهما السّلام عن معنى قول رسول اللّه 6 الشقي من شقى في طبن
امه، و السعيد من سعد في بطن امه، فقال الشقيي من علم اللّه عز و جل و هو في بطن
امه انه سيعمل اعمال الاشقياء و السعيد من علم اللّه عز و جل و هو في بطن امه انه
سيعمل اعمال السعداء، قلت فما معنى قوله 6 اعملوا فكلّ مسيّر
لما خلق له فقال ان اللّه عز و جل خلق الجن و الانس ليعبدوه و لم يخلقهم ليعصوه و
ذلك قوله عز و جل و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون فيسّر كلّا لما خلق فالويل
لمن استحب العمى على الهدى، و هذا الحديث الشريف يكشف عن فرد واحد من افراد هذه
المقالة، و لكن الظاهر ان حكم ما عداه حكمه لاتحاد الطريق.
و خامسها ما
خطر بالبال و لكن اخذا من الطاهرين 7 و حاصله انه قد تحققت من الانوار
السابقة ان خلق الارواح قد كان قبل خلق عالم الذر، و قد اججّ سبحانه نارا و كلّف
تلك الارواح بالدخول، فمنهم من بادر الى الامتثال و منهم من تأخر عنه و لم يأت له،
فمن هناك جاء الايمان و الكفر و لكن بالاختيار فلما اراد سبحانه ان يخلق لتلك
الارواح ابدانا تتعلق بها لكل نوع من الارواح مناسبا له من الابد ان كان جعل
للارواح الطيبة ابدانا مثلها، و كذا للارواح الخبيثة، فيكون ما صنع بها سبحانه
جزاءا لذلك التكليف السابق، نعم لما مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبولا الاعمال
الحسنة و ضدّها، فان قلت اذا كان الحال على هذا المنوال فلأي شيء قال الصادق 7 لابي اسحاق الليثي لا تطلع على سرنا احدا الا مؤمنا و ان اطلعت غيره على
هذا ابتليت في نفسك و مالك و اهلك، و ما معنى هذه التقية و من أي فريق يكون.
قلت يجوز ان
يكون هذه التقية من المخالفين فانهم اذا فهموا هذا العلم علموا من القرائن ان ليس
المراد باهل الشمال المذكورين في الخبر الا همّ و مثل هذا مما يتقي فيه قطعا، و
يجوز ان يكون تقية او اتقاءا على الشيعة فانّ عوامهم اذا سمعوا بمثل هذا اقبلوا
على الاتيان بانواع المحارم و الذنوب، فيكونون قد اتوا ذنوبا تزيد على ما يقتضيه
مزج الطينتين، لانك قد تحققت ان اللمم و هي الصغائر القليلة قد يفعل المؤمن بمقتضى
مادته و طبيعته، و اما الكبائر كالزنا و اللواط و نحو