ظُلُماتِ الْبَرِّ
وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَ عَلاماتٍ وَ
بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، و قال
تعالى انا زَيَّنَّا السَّماءَ
الدُّنْيا بِمَصابِيحَ،* فاما الاحكام على
الكائنات بدلائلها و الكلام على مدلول حركاتها فان العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع
ان يكون اللّه تعالى أعلمه بعض انبيائه و جعله علما له على صدقه، غير انا لا نقطع
عليه و لا نعتقد استمراره في الناس الى هذه الغاية، و اما ما نجده من احكام
المنجمين في هذا الوقت و اصابة بعضهم فيها فانا لا ننكر ان يكون ذلك بضرب من
التجربة و بدليل عادة، و قد يختلف احيانا و يخطي المعتمد عليه كثيرا و لا يصح
اصابته فيه ابدا لانه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و اخبار
الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمي اهل العدل و اليه ذهب بنو نوبخت رحمهم اللّه تعالى
من الامامية، و ابو القاسم و ابو علي من المعتزلة هذا كلامه طاب ثراه.
و قال سيدنا
المرتضى اعلى اللّه مقامه في دار المقامة في جواب المسائل السلارية بعد ما ابطل
كون النجوم مؤثرة بدلائل و براهين و اما الوجه الاخر و هو ان يكون تعالى اجرى
العادة بان يفعل افعالا مخصوصة عند طلوع كوكب او غروبه او اتصال ما او مفارقته فقد
بينا ان ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة و انما يتحملون الان باظهاره و انه قد كان
جائزا ان يجري اللّه العادة بذلك لكن لا طريق الى العلم بان ذلك قد ثبت و وقع و من
اين لنا طريق ان اللّه تعالى اجرى العادة بأن يكون زحل او المريخ اذا كان في درجة
الطالع كانا نحسا، و ان المشتري اذا كان كذلك كان سعدا و اي شيء خبر به و استفيد
من جهته، فان عوّلوا في ذلك الى التجربة و انا جربنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناها
على هذه الصفة، و اذا لم يكن موجبا فيجب ان يكون معتادا.
قلنا و من سلّم
لكم صحة هذه التجربة و انتظامها و اطرادها و قد رأينا خطائكم فيها اكثر من صوابكم
و صدقكم اقل من كذبكم، فان نسبتم الصحة اذا اتفقت منكم الى الاتفاق الذي يقع من
التخمين و الرجم فقد رأينا من يصيب من هؤلاء اكثر مما يخطئ و هو على غير اصل معتمد
و لا قاعدة صحيحة، فان قلتم سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في اخذ الطالع او في سير
الكواكب قلنا و لم لا كانت اصابته سببها الاتفاق و التخمين و انما كان يصح لكم هذا
التأويل و التخريج لو كان على صحة احكام النجوم دليل قاطع هو و غير اصابة المنجم
فاما اذا كان دليل صحة الاحكام الاصابة فقد كان دليل فسادها الخطأ.
و مما افحم به
القائلون بصحة الاحكام و لم يحصل عنه منهم جواب ان قيل لهم في شيء بعينه خذوا
الطالع و احكموا هل يؤخذ او يترك، فان حكموا إمّا بالاخذ أو الترك خولفوا و فعل
خلاف ما اخبروا به و قد اعضلتهم هذا المسألة.