و اما الثانية
فقوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ، و حاصل الجواب الذي اشار 7 هو ان اللّه سبحانه خلق مادة
الارض و هي الزبد قبل خلق الدخان الذي خلق منه السماء فلما خلق السماء من ذلك
الدخان رجع الى تسطيح الارض و دحوها فدحاها و وسعها و لم يكن قبل هذا الدحو الا
الارض التي هي موضع الكعبة الان و منه سميت مكة ام القرى لان ارضها مادة لكل
الاراضي، فتقدم كل من السماء و الارض على الاخر باعتبار فلا تناقض.
و اجيب عن رفع
التنافي ايضا بأن كلمة بعد في قوله تعالى وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها، ليست للتأخر
الزماني بل انما هو على جهة تعداد النعم و الاذكار لها كما يقول القائل ا ليس قد
اعطيتك و فعلت بك كذا و كذا، و بعد ذلك خالطتك، و ربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ
متأخرا بحسب الزمان لانه لم يكن الغرض الإخبار عن الاوقات و الازمنة بل المراد ذكر
النعم و التنبيه عليها و ربما اقتضت الحال ايراد الكلام على هذا الوجه و قد مال
بعض اساتيذنا الى ان وجه الجمع هو ان تسوية السماء المطلقة متقدمة على دحو الارض و
اما تسويتها سبعا فمتأخرة عنه، و قيل فيه وجوه أخرى و المعوّل على ما اشار اليه
الامام 7.
فان قلت الحكم
بأن الماء اول مخلوق من الاجسام ينافي ما ورد في التورية و ما في تفسير علي بن
ابراهيم الذي لم يأخذ كلامه في ذلك التفسير الا من الاخبار اما الذي وجد في
التورية فهو ان مبدأ الخلق هو ان اللّه سبحانه و تعالى خلق جوهرة ثم نظر اليها نظر
الهيبة فذابت اجزاؤها فصار الماء فثار من الماء بخار كالدخان فخلق منه السموات و
ظهر على وجه الارض مثل زبد البحر فخلق منه الارض ثم ارسلها بالجبال.
و اما الذي
ذكره علي بن ابراهيم قدس اللّه روحه فقد ذكر في تفسير قوله تعالى وَ كانَ
عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ، قال و ذلك في مبدء الخلق ان الربّ تبارك و تعالى خلق الهوى
ثم خلق القلم فأمره ان يجري فقال يا رب بما اجري فقال بما هو كائن ثم خلق الظلمة
من الهوى و خلق النور من الهوى، و خلق الماء من الهوى، و خلق العرشي من الهوى، و
خلق العقيم من الهوى، و هو الريح الشديد، و خلق النار من الهوى، و خلق الخلق كلهم
من هذه الستة التي خلقت من الهوى.
قلت: قد ذكرنا
سابقا الوجه في الجمع بين اسبقية الهوى على الماء بان اسبقية الماء اضافية بالنسبة
الى محسوسات الاجسام و الهوى ليس بمحسوس، و من ثم انكر بعضهم وجوده بقي الكلام في
الدرة و الهوى فيجوز ان يكون سبحانه قد كوّن الدرة من الهوى فخلق الماء من الدرة
هو خلق