اقول المراد بالدنيا في
هذا الحديث هو ما سوى اللّه سبحانه من اصناف المخلوقات كلها فتشمل الافلاك و
العناصر و النفوس الناطقة و غيرها، و هذا هو مذهب كافة اهل الملل كالمسلمين و
اليهود و النصارى و المجوس، و اما حكماء الفلاسفة فقد ذهبوا في القدم و الحدوث الى
مذاهب كثيرة، فذهب ارسطو و من تبعه من متأخري الفلاسفة كالفارابي و ابن سينا الى
انّ الاجسام قديمة بذواتها و صفاتها، و تفصيل مذهبهم انهم قالوا الاجسام تنقسم الى
فلكيات و عنصريات اما الفلكيات فانها قديمة بموادها و صورها الجسمية و النوعية و
اعراضها المعينة من المقادير و الاشكال و غيرها الا الحركات و الاوضاع الشخصية
فانها حادثة قطعا، ضرورة ان كل حركة مسبوقة بأخرى لا الى نهاية، و كذا الاوضاع
المعينة التابعة لها، و اما مطلق الحركة و الوضع فقديم ايضا لان مذهبهم ان الافلاك
متحركة حركة مستمرة من الازل الى الابد بلا سكون اصلا.
و اما العناصر
فقديمة بموادها و صورها الجسمية بنوعها، و ذلك لان المادة لا تخلو عن الصورة
الجسمية التي هي طبيعة واحدة نوعية لا تختلف الا بأمور خارجة عن حقيقها يكون نوعها
مستمر الوجود بتعاقب افرادها ازلا و ابدا، و بصورها النوعية بجنسها و ذهب بعضهم الى
انها قديمة بذواتها محدثة بصفاتها، و هو قول من تقدم ارسطو من الحكماء و هؤلاء قد
اختلفوا في تلك الذوات القديمة فمنهم من قال انه جسم و اختلف في ذلك الجسم أي
الاجسام هو، فقال ثاليس الملطي انه الذي هو المبدع الاول، و منه ابدع الجواهر كلها
من السماء و الارض و ما بينهما، و قال صاحب الملل و النحل و كأنه أخذ مذهبه من
الكتب الالهية، ففي التورية ان اللّه تعالى خلق جوهرة و نظر اليها نظر الهيبة
فذابت و صارت ماء فحصل البخار و ظهر على وجهها بحسب الحركة زبد و ارتفع منها دخان
و حصل من زبدها الارض و من دخانها السماء، و قيل الارض و حصلت البواقي بالتلطيف و
قيل النا و حصلت البواقي بالتكثيف و قيل البخار و حصلت العناصر بعضها بالتلطيف و
بعضها بالتكثيف و قيل الخليط من كل شيء لحم و خبز و غير ذلك، و منهم من قال انه
ليس بجسم، فقالت الثنوية من المجوس النور و الظلمة، فانهما قديمان و بدؤ العالم من
امتزاجهما، و قال الحرنانيون منهم القائلون بالقدماء الخمس النفس و الهيولى و قد
عشقت النفس بالهيولى لتوقف كمالاتها عليها فحصل من اختلاطهما أنواع المكونات، و
قيل هي الوحدة فانها تحيرت و صارت الواحدات نقطا ذوات اوضاع و اجتمعت النقط فصارت
خطّا و اجتمعت الخطوط فصارت سحطا و اجتمعت السطوح فصارت جسما و ذهب جالينوس الى
التوقف في الكل اذ يحكى عنه انه قال في مرضه الذي توفي فيه لبعض تلامذته أكتب عني
اني ما علمت ان العالم قديم او حادث و ان النفس الناطقة هي المزاج أو غيره، و قد
طعن فيه اقرانه بذلك حين اراد من سلطان