اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 73
شهود ربه، و لأنه سحاب يغطي شمس المعاني لمن
وقف مع ظاهر حس الأواني، و إليه أشار الششتري بقوله: لا تنظر إلى الأواني، و خض
بحر المعاني، لعلك تراني، فصار الكون بهذا الاعتبار كله ظلمة، و إنما أناره تجلي
الحق به و ظهوره فيه، فمن نظر إلى ظاهر حسه رآه حسا ظلمانيّا، و من نفد إلى باطنه
رآه نورا ملكوتيّا.
قال اللّه تعالى: اللَّهُ نُورُ
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [النور: 35]، فتحصل أن قول
الشيخ: الكون كله ظلمة إنما هو في حق أهل الحجاب لانطباع ظاهر صور الأكوان في مرآة
قلوبهم، و أما أهل العرفان فقد نفذت بصيرتهم إلى شهود الحق، فرأوا الكون نورا
فائضا من بحر الجبروت فصار الكون عندهم كله نورا، قال اللّه تعالى: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [يونس: 101]، أي من نور ملكوته و أسرار جبروته أو من أسرار المعاني
القائمة بالأواني. و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ اللّه احتجب
عن أهل السماء كما احتجب عن أهل الأرض، و إنّ أهل الملإ الأعلى ليطلبونه كما
تطلبونه أنتم، و إنه ما حلّ في شيء و لا غاب عن شيء[1]»
انتهى. و هذه المعاني إنما هي أذواق لا تدرك بالعقل، و لا بنقل الأوراق و إنما
تدرك بصحبة أهل الأذواق فسلم و لا تنتقد.
إذا
لم تر الهلال فسلّم
لأناس
رأوه بالأبصار
ثم قسم الناس في شهود الحق على ثلاثة أقسام عموم و خصوص، و خصوص
الخصوص فقال: [فمن رأى الكون و لم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه
وجود الأنوار و حجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار].
فأهل مقام البقاء يشهدون الحق بمجرد وقوع بصرهم على الكون، فهم يثبتون الأثر
باللّه و لا يشهدون بسواه، إلا أنهم لكمالهم